تطبيق القانون من حيث الاشخاص
إنفاذ القانون من حيث الناس
خلق الله العالم وجعل فيه شريعة. العالم كله يتبع القانون، حتى الحيوانات تسير حسب القانون. فسبحان الله تعالى. سنذكّرك اليوم بما يعنيه القانون من منظور الناس.
القانون هو مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في مجتمعهم، أي أن هذه القواعد القانونية تنطبق على الأشخاص في محل إقامتهم …
ويشترط في قانون الاشخاص أن يكون الفعل معلوما للشخص المخاطب بالقاعدة القانونية ( أي الشخص المكلف ) علما تاما، حتى يستطيع القيام به كما طلب منه. وبناء على ما تقدم، فلا يصح تطبيق حكم القاعدة القانونية
على الأشخاص المخاطبين بها إذا كان هذا الحكم مجملا لم يلحقه بيان يحدد ما المطلوب فعله بالضبط، وعلى أساسه تصدر القاعدة القانونية، فإذا كان حكمها واضحا أمكن تطبيقه على الأشخاص المخاطبين بها، أما إذا كان حكمها غير واضح المعالم ويحتاج إلى تفصيل وبيان، فإن اللوائح هي التي تتولى مهمة التفصيل والتوضيح في شكل مراسيم أو قرارات،وقبل صدور هذه اللوائح المفصلة والمنفذة للنص القانوني الذي يجعله صالحا للتطبيق على الأشخاص المكلفين، فإنه لا يمكن تطبيق النص القانوني في حالته غير الواضحة. وغالبا ما يتضمن النص القانوني توجيهات معينة إلى جهة ما يخول لها صلاحية تحديد النص القانوني وبيان كيفية تطبيقه .
أمثلـة علـى ذلــك :
ومن الأمثلة على ذلك نذكر مـا يلـي :
* إذا نصت مادة من مواد قانون العمل بأن :( للعامل المريض بإحدى الأمراض المزمنة إجازة عرضية بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته ) .
نلاحظ أن هذه المادة لم تبين ما هي الأمراض المزمنـة وبالتالي فهو غير صالح للتطبيق فورا، وإنما يجب تفصيل وتحديد هذه العبارة : ( الأمراض المزمنة )، لذلك قضت الفقرة الثانية من نفس المادة بان : ( يصدر لتحديد الأمراض المزمنة المشار إليها أعلاه قرار من وزير العمل والشؤون الاجتماعية بالاتفاق مع وزير الصحة والسكان ) . وقبل صدور هذا القرار لا يمكن تطبيق حكم القاعدة القانونية، وإنما تصلح للتطبيق بعد صدور القرار المشترك ( بصفة فعلية ) بين الوزارتين المشار إليهما أعلاه . مبدأ امتناع عن الاعتذار بجهل القانون
من المبادئ الأساسية في فقه القانون الوضعي ( مبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون ) .
ومؤدى هذا المبدأ أنه لا يقبل من أي شخص أيا كان الاحتجاج لجهله بحكم القاعدة القانونية، وذلك ليتهرب ويفلت من سريانها في حقه . فحكم القاعدة القانونية يسري في حق الأشخاص المخاطبين بأحكامها وذلك لمن علم بها، ولمن جهلها على حد السواء . ويذهب جانب من فقهاء القانون إلى تأسيس هذا المبدأ على وجود قرينة على علم الأشخاص بأحكام القانون .
ويشكك البعض الآخر منهم في وجود صحة هذه القرينة فهي تقوم على حمل الأمر المشكوك فيه محمل الغالب والمألوف في العمل بشأنه . وليس الغالب في العمل ولا المألوف فيه هو : علم الأشخاص بالقواعد القانونية بل الغالب هو جهلهم بها .
ولهذا لا يمكن اعتبار مبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون قرينة على العلم بها. بينما يذهب الإتجاه الغالب إلى تأسيس هذا المبدأ على ( فكرة المساواة وقواعد العدل ) . فالعدل الخاص يتطلب المساواة التامة في معاملة الأشخاص المخاطبين بأحكام القاعدة القانونية فلا يفرق بينهم في وجوب الخضوع لها، أو يعفي بعضهم من التقيد بها . وهذه المساواة أمام القانون تحقق ذلك العدل العام والصالح العام بما تؤكده من سيادة النظام والقانون في المجتمع .
ماذا يترتب عن إباحة الاعتذار بجهل القانون
لو أبيح الاعتذار بجهل القانون للإفلات من أحكامه، لما أتيح حينئذ تطبيق القانون إلا في القليل النادر حيث يعلم الناس بأحكامه، ويترتب عن ذلك : - سيادة الفوضى .
فقدان الأمن والاستقرار في المجتمع.
- نفي صفة الإلزام عن القاعـدة القانونية، إذ يجعل مناط إلزامها هو توافر العلم بها . بينما القاعدة القانونية تتميز قبل كل شيئ بما لها من إلزام ذاتي منبعث منها ومن وجودها هي، لا من عامل خارجي عنها كالعلم بها . متى يمكـن الاحتجاج أو الاعتراض عن جهل القانون
لقد لجأ فقهاء القانون إلى الاعتراف بإمكانية الاحتجاج بجهل القانون في حالة قيام قوة قاهرة . كالفيضانات، أو الاحتلال، أو الحروب . لأن بعض المناطق في الدولة تعزل عزلا تاما يستحيل معه وصول الجريدة الرسمية إليها، كاستثناء على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون .
وفي الواقع أننا لا نأخذ في فهم مبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون بالعلم الفعلي ولا بالعلم الإفتراضي وإنما بإمكانية العلم بأحكام القانون . ويمكن تحديد المقصود بإمكانية العلم بأحكام القانون، إذا رجعنا إلى فقه الشريعة الإسلامية، ولبيان ذلك فإن علماء أصول الفقه الإسلامي يذهبون إلى أنه : (( ليس المراد بالعلم بالأحكام، العلم الفعلي، وإنما المراد بالعلم التمكن منه والوصول إلى معرفته . فمن كان في دار الإسلام يتمكن من العلم بالأحكام الشرعية بنفسه، أو بسؤال أهل العلم عنها، فهو مكلف بها، إذ لا عذر للمقيم في دار الإسلام بسبب جهله بالأحكام الشرعية )) .
قال الله تعالى : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) وإنما لا يشترط علم المكلف به فعلا خوفا من اتساع المجال للاعتذار بجهل الأحكام الشرعية، فمتى كان الإنسان عاقلا،وكان مقيما في دار الإسلام كان قادرا على أن يعرف الأحكام الشرعية بسؤال أهل الذكر عنها .
وبذلك يعتبر عالما كلف به، وتنفذ عليه الأحكام ولا يقبل منه الإعتذار بالجهل . ونستنتج مما تقدم أنه يجب النظر إلى العلم بالقانون كتكليف مسبق يقع على الكافة، وقبل تطبيق الأحكام التكليفية عليهم . فهناك واجب أو التزام مبدئي يقع على الكافة بوجوب التعرف على أحكام القانون، ومن السهل إجراء هذا التعرف سواء :
- عن طريق الشخص المكلف نفسه .
- أو عن طريق سؤال غيره .
وبناء على ذلك فإذا كان الشخص المكلف بأحكام القانون يرجع إلى تقصيره في أداء هذا الواجب ( واجب العلم والإستفسار ). فإن حكم القاعدة القانونية ينطبق عليه برغم جهله بمضمون الحكم، ما دام عدم العلم يعد نتيجة للتخلف عن أداء الواجب السابق ذكره . أما إذا استحال على الشخص المخاطب بالقاعدة القانونية العلم بمضمونها، فلا يجوز تطبيق حكمها عليه. غير أن معنى الإستحالة يتسع في الشريعة الإسلامية ليشمل المشقة الزائدة . بينما يتجه القانون الوضعي إلى حصر معناها على القوة القاهرة، باعتبارها القوة التي لا يستطيع الإنسان العادي أن يتخطاها .
وفي هذه الحالة يمكن الإعتراف بإمكانية الإحتجاج أو الإعتراض عن جهل القانون، إذا استحال على الشخص المخاطب بالقاعدة القانونية العلم بمضمونها وذلك تحقيقا لمفهوم الإستقرار القانوني .