بدء الصوم الكبير 2022 الغربي, الصيام العارم متمثل في ثلاثة أصوام:
الأربعين المقدسة في الوسط. يسبقها أسبوع أما أن نعتبره تمهيديًا للأربعين المقدسة، أو تعويضيًا عن أيام السبوت التي لا يجوز فيها الانقطاع عن الأكل. يعقب ذلك أسبوع الأوجاع. وقد كان في مستهل العصر الرسولي صومًا حاضرًا بذاته غير مرتبط بالصوم الضخم.
والصوم العظيم أقدس أصوام السنة.
وأيامه هي أقدس أيام السنة، ومن الممكن أن نقول عنه إنه صوم سيدي، لأن سيدنا يسوع المسيح قد صامه. وهو صوم من الدرجة الأولي، إن قسمت أصوام الكنيسة إلي درجات.
هو مرحلة رعاية روحي للعام كله.
فالذي لا يستفيد روحيًا من الصيام العظيم، من المتعب أن يستفيد من أيام أخري أقل روحانية. والذي يقضي أيام الصوم العارم باستهانة، من الشاق فوقه يدقق في باقي أيام السنة. حاول أن تستفيد من هذا الصوم في ألحانه وقراءاته وطقوسه وروحياته المختصة وقداساته التي تقام حتى الآن الظهر.
كان الآباء يتخذون الصيام العارم مجالًا للوعظ.
لأن الناس يكونون أثناءه في وضعية روحية مستعدة لقبول الكلمة. حقًا عن الوعظ مرتب في جميع أيام السنة. غير أن عظات الصوم الضخم لها قعر أكثر. وبالتالي فإن عديدًا من كتب القديس يوحنا ذهبي الفم، كانت عظات له ألقاها في الصوم الهائل، وكذلك كثير من كتب القديس أوغسطينوس. لكن أن الكنيسة كانت تجعل أيام الصيام الضخم مرحلة لضبط المقبلين للإيمان.
فتعدهم بالوعظ في الصوم العارم ليتقبلوا نعمة المعمودية.
فكانت تتم إقامة فصول للموعوظين أثناء هذا الصوم تلقي فيها عليهم عظات لتعليمهم قواعد الإيمان وتثبيتهم فيها. وبذلك ينالون العماد ذات يوم أحد التناصير، لكي يعيدوا مع المؤمنين يوم الاحد الآتي واحد من الشعانين ويشتركون معهم في دعوات البصخة وأفراح عيد القيامة (اقرأ نصًا أحدثًا عن هذا الشأن هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ومن أمثلة هذا عظات القديس كيرلس الأورشليمي إعداد الموعوظين للإيمان بشرحه لهم قانون الإيمان في أيام الصيام الضخم.
ولاهتمام الكنيسة بالصوم الضخم جعلت له جوًا خاصًا.
فله ألحان خاصة، مرحلة انقطاع أضخم. وله قراءات خاصة، ومردات خاصة، وطقس خاص في ترقية بخور مبكر، ومطانيات metanoia خصوصا في القداس قبل تحليل الخدام نقول فيها (اكلينومين تاغوناطا ~Klinwmen ta gonata). ولهذا يوجد للصوم الضخم قطمارس katameooc خاص. مثلما انه تقرأ فيه قراءات من العهد السحيق. وهكذا يكون له طقس روحي خاص.
وقد عَيّنت الكنيسة له أسبوعًا تمهيديًا يسبقه. حتى لا يدخل الناس إلي الأربعين المقدسة في الحال من دون استعداد. وإنما ذاك الأسبوع الفائت، يمهد الناس للدخول في هذا الصوم المقدس، وفي نفس الوقت يعوض عن إفطارنا في السبوت التي لا يمكن الانقطاع فيها.
إلا أن الكنيسة مهدت له أيضا بصوم يونان.
فصوم يونان، أو صوم نينوى يتقدم على الصيام الضخم بأسبوعين، ويكون بنفس الأحوال الجوية تقريبًا وبنفس الألحان، حتى يتنبه الناس لقدوم الصوم الكبير ويتحضرون له بالتوبة التي هي لب صيام نينوى. وكما اهتمت الكنيسة بإعداد أولادها للصوم الضخم، هكذا يجب علينا نحن كذلك أن نلاقيه بنفس الاهتمام.
وإذا كان السيد المسيح قد أصبح هذا الصوم عنا،
وهو في غير عوز إلي الصيام، فكم يلزم أن نصوم نحن في مسيس الحاجة إلي الصوم لكي نكمل كل بر، مثلما إجراء المسيح. ومن مراعاة الكنيسة بذلك الصيام أنها أسمته الصيام الهائل.
فهو الصيام الهائل في مدته، والكبير في قدسيته.
إنه أضخم الأصوام في مدته التي هي خمسة وخمسون يومًا. وهو أكبرها في قدسيته، لأنه صوم المسيح له المجد مع تذكارًا لآلامه المقدسة. لذا فالخطية في الصوم الكبير أكثر بشاعة.
حقًا إن الخطية هي الخطية. غير أنها أكثر بشاعة في الصيام الضخم الأمر الذي في بقية الأيام العادية. لأنّ الذي يخطئ في الصوم مختلَفًا، وفي الصيام الهائل خصوصًا، هو في الواقع يرتكب خطية مزدوجة: بشاعة الخطية نفسها، يضاف إليها الاستهانة بقدسية هذه الأيام. إذن هما خطيئتان وليس واحدة.
والاستهانة بقدسية الأيام، دليل علي عنف القلب.
فالقلب الذي لا يتأثر بروحانية هذه الأيام المقدسة، لا شك أنه من الناحية الروحية قلب قاس يخطئ في الصيام، ينطبق فوق منه قول السيد المسيح “إن كان النور الذي فيك ظلامًا، فالظلام كم يكون” (مت 6:23). أي لو كانت تلك الأيام المقدسة المنيرة مدة للظلام، فالأيام العادية كم تكون؟!
وقد اهتم الآباء الرهبان القديسون بالصوم الضخم.
حياتهم جميعها كانت صيامًا. إلا أن أيام الصيام الكبير كانت لها قدسية خصوصا في الأجيال الأولي، حيث كانوا يخرجون من الأديرة في الأربعين المقدسة ويتوحدون في الجبال. ولعلنا نجد مثالًا لذلك في قصة القديس زوسيما القس ولقائه بالقديسة مريم القبطية التائبة. وبذلك كان أيضًا نفس الاهتمام في رهبنة القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، وفي عديد أثيوبيا.
فلنهتم نحن أيضًا بهذه الأيام المقدسة.
أن كنا لا يمكن لنا أن نطوي الأيام كما كان يفعل السيد المسيح له المجد فعلي الأقل فلنسلك بالزهد الجائز، وبالنسك الذي يمكن لنا أن نحتمله. وأن كنا لا يمكن لنا أن ننتهر الشيطان ونهزمه بشدة مثلما تصرف الرب، فعلي الأقل فلنستعد لمقاومته. ولنذكر ما قاله القديس بولس الرسول في رسالته إلي العبرانيين معاتبًا “لم تقاوموا عقب حتى الدم مجاهدين ضد الخطية” (عب 12: 4). مفروض إذن أن يجاهد الإنسان حتى الدم في قوى معارضة الخطية. إن كانت ثلاثة أيام صامتها أستير وشعبها، وكان لها مفعولها القوي؛ فكم بالأولى خمسة وخمسون؟
هنا وأقول لنفسنا في عتاب:
كم “صوم عظيم” مَرَّ علينا في حياتنا، بجميع ما في الصيام العارم من روحيات؟ لو كنا نجني فائدة روحية في جميع صوم، فما حصاد هذه السنين جميعها في أصوامها العظيمة التي صمناها، وباقي الأصوام الأخرى أيضًا؟ إن الموضوع تحتاج إلي جادة في الصيام، وإلي روحانية في الصيام، ولا نأخذ الموضوع في نمطية أو من دون مبالاة.