من المؤكد أن الوضع المادي والاقتصادي للعائلات والأفراد يتحكم في كثير من قراراتهم، خاصة تلك المتعلقة بالصحة بشكل عام، طالما أن المالك ما زال يسير على قدميه، فلا مانع من التعايش مع أي أعراض خير من زيارة الطبيب حتى لو تسبب له الألم لكنه محتمل. ويمكن ممارسة الحياة بشكل طبيعي في حضوره. من المهم ألا تتعطل الحياة وتفاصيلها اليومية، ولا تتوقف آلة البحث عن الرزق بسبب رفاهية الاطمئنان على الصحة.

كثير من الناس في مصر لا يذهبون إلى الطبيب بسهولة، لكن الكثير منهم يكرهون هذه الزيارة كثيرًا، ولا يفعلونها إلا في ظروف ملحة وصعبة للغاية، عندما يواجهون ما يعرض حياتهم لخطر حقيقي، وغالبًا ما يحاولون ذلك. التعامل مع الأعراض التي يعانون منها، إما الصبر عليها حتى تأخذ مجراها وتنتهي في حالة الإصابة بالفيروسات، أو التحايل عليها دون استشارة الطبيب.

هناك طرق عديدة للهروب من زيارة الطبيب، وأولها وأكثرها انتشارًا هو الاستعانة بخبراء وأقصد مرضى سابقين يعانون من نفس الأعراض من الأصدقاء والعائلة الذين يأخذون زمام المبادرة لتقديم المشورة ووصف بعض من أسماء الأدوية التي أخذوها وساعدتهم على التعافي، وهناك من يصر على بعض الوصفات الشعبية كبديل أفضل من تناول الأدوية، وبحسب طبيعة المريض سيكون رده على أحد هذه الحلول.

طرف ثالث يحاول اللجوء إلى حل نفسي أكثر من كونه حلاً واقعياً، ويثبت لنفسه ولمن حوله أنه سعى بجدية إلى العلاج والشفاء، يجد هؤلاء في الصيدلي ملاذاً ومأوى لتحقيق حياتهم. الهدف، فتجد عملاء الصيدليات أكثر من كل من يتردد على الأطباء، بمعدل يتجاوز عشرات المرات، يكفي الوقوف داخل أي صيدلية لبضع دقائق لمعرفة العدد الهائل من الأشخاص الذين يطلبون قياس ضغط الدم لديهم بسبب شعروا بصدمة ودوخة أو إرهاق عام.

وبعضهم يصف حالته للصيدلي طالبين “حبتين” للصداع، أو المغص، أو كسور العظام، أو أي أعراض أخرى يعاني منها هو نفسه، وكان مقتنعاً أن مجرد تناول قرصين من الأدوية المسكنة المعترف بها يمكن أن يشفيه، حتى لو نصحه الصيدلي بالذهاب إلى الطبيب، لم يجد ردًا، فهو يكرر الجملة الأكثر شهرة التي يقولون: “لا يا دكتور، أبقها مغلقة حتى تفتح”.

لا أظن أن الحالة المادية هي سبب كل الحالات التي ترفض زيارة الطبيب ولكن هناك من يمكنه التحقق من حالته وإجراء فحوصات بسيطة لمعرفة ما يشتكي منه بالكامل دون تكلفة أو على الأقل بتكلفة بسيطة للغاية يمكن أن يتحملها أصحاب الدخل المتواضع، لكنها الثقافة والعقلية الموروثة، التي تؤمن بأننا نترك الصندوق مغلقًا بما فيه.

لذلك نتفاجأ بالعديد من الحالات المرضية في مراحلها الأخيرة، بصعوبة شديدة في العلاج، أو على الأقل يتطلب الأمر الكثير من المال والوقت للعلاج، وليس القليل إذا تم اكتشاف المرض في مراحله المبكرة، و حتى أن هناك حالات وفاة مفاجئة دون أن يشكو من أي مرض قبلها، حسب شهادة من حوله، لكن الحقيقة أنه كان مريضًا جدًا، وعانى من حالات خطيرة دون أن يكلف نفسه عناء فحصها وادعى أنه لم يطلع عليها. عليهم حتى القضاء عليه.

جامعة قناة السويس تشارك في قوافل طبية لمبادرة حياة كريمة

أتذكر طبيب الأورام عندما أخبرني أن المركز يستقبل 50 حالة عذراء يوميًا، أي يتم اكتشافها لأول مرة، بما في ذلك الحالات التي وصلت إلى مراحل يصعب علاجها، وكذلك الآلاف من الحالات التي تصل إلى الفشل الكلوي دون أن يكون أصحابها قد اشتكوا مسبقًا، وجلطات القلب والشرايين التي تصيب من لم يشكو من الضغط، والعديد من الحالات الأخرى التي وصلت إلى الخطر بسبب إهمال أصحابها زيارة الطبيب مبكرًا، والقوافل الطبية هي أكبر دليل على ذلك من خلال الأرقام التي يعلنونها، عند فحص الأشخاص بشكل عشوائي.

الأعمار بيد الله ولكن ربنا أمرنا بأخذ الأسباب، وأهم الأسباب أخذ الدواء على يد أصحاب المصلحة وهم الأطباء، وأخذ زمام المبادرة لفتح الصندوق وبسرعة. تحديد أي مشكلة فيها، ومتابعة حلها أولاً، وإيمانا بالتخصص في الصحة، فليس من المعقول أن نثق أصحاب الخبرات من العائلة والجيران والأصدقاء والأطباء والمختصين.