كيف وصل معمر القذافي الى الحكم … نفذ الرئيس الليبي المسافر معمر القذافي قبل 52 عاماً انقلاباً على الملك السنوسي، سمي وقتها بثورة الفاتح “الأكبر” من أيلول، التي تبدل بسببها النظام الملكي إلى الجمهوري وأسس دستوراً جديداً لليبيا.
كيف وصل معمر القذافي الى الحكم
مع مرور الذكرى الثانية والخمسين للانقلاب أو “ثورة الفاتح” التي قادها الرئيس الليبي الواحد من أفراد الرحلة معمر القذافي في ليبيا عام 1969، توجه الأبصار إلى الجارة الغربية تونس، التي أعلن فيها رئيسها قيس بهيج عن ممارسات استثنائية في 25 يوليو/يوليو الفائت تقضي بحل إدارة الدولة وتجميد عمل مجلس الشعب المنتخَب، في خطوة اعتبرها مراقبون انقلاباً ناعماً وافتكاكاً للسلطة.
وبينما ترجح أفكار متعددة إحتمالية سعي قيس مبتهج إلى تغيير نسق الحكم وتحويل الدستور في تونس، يستحضر نشطاء ومحللون نفس ما أقدم فوق منه القذافي عقب افتكاكه السلطة من الملك السنوسي، وسط إستفسار سادَّا لو أنه الرئيس التونسي سلس على ذات خطا القذافي، خاصة أن عدم الوضوح يلف الفترة الراهنة ولا شيء يوميء إلى معالم خريطة الطريق المستقبلية في تونس.
“ثورة الفاتح” التي غيرت منظومة الحكم
في الفاتح من أيلول/أيلول 1969 طوقت عربات عسكرية القصر الملكي والمباني الأصلية ومبنى الإذاعة الليبية في بنغازي. وأعرب حينها في مرأى مفاجئ عن الكلام الأضخم لثورة الفاتح كما شاء أن يسميها قادتها ومناصروها.
واستولى 12 ضابطاً ليبياً من الرتب الدنيا من الجيش على السلطة في انقلاب أبيض ومن دون إراقة أي دماء، وعزل الملك الليبي السنوسي الذي كان موجوداً وقتها في تركيا للعلاج، عن الحكم، وعين النقيب معمر القذافي الذي تزعم حراك الضباط الوحدويين الأحرار، رئيساً لمجلس هيئة الحكم الجديد في ليبيا، أو ما سُمي بمجلس زعامة الثورة.
ويحتسب خبراء ومحللون أن انقلاب القذافي قد نجح وقتها وتلقى فيه دعماً داخلياً وترحيباً دولياً، لأنه بالأساس كان متوقعاً، إذ إن وقوع إدارة الدولة الليبية كان مرتقباً منذ مرحلة، وفي تلك الحالات كثيرا ماً ما إستلم الانقلابات شبه إجماع وتأييد، يجعلها تمضي قدماً في استكمال بقية خططها.
وتمكن الشاب العشريني الذي افتقر في هذا الزمن إلى مسعى سياسية حقيقية والحامل لرتبة عسكرية دنيا، من تغيير منظومة الحكم الملكي وإشعار علني البلد الليبية العربية، كما وقف على قدميه بإلغاء العمل بالدستور الليبي، وأعلن عن مجموعة من المواد القانونية لتقنين عمل البلد. وعلى خلفية عدائه للنخب السياسية، لم يتردد القذافي في إضعاف أو بالأحرى محو دور الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات ومختلف مكونات المجتمع المواطن، وضيق على الصحافة وحرية التعبير.
وبعد سنين قليلة، وعلى وجه التحديد عام 1976، أفصح معمر القذافي عن نظريته التي أطلق فوقها تسمية “النظرية العالمية الثالثة” والتي تقوم على وجهة نظر سلطة الشعب، وتأسست إثرها اللجان الشعبية العامة التي مثلت في ذلك الزمان أعلى سلطة تنفيذية في ليبيا وتضطلع بعدة مهام، فسرها القذافي في كتابه الأخضر الذي نُشر على صعيد ممتد، تباهى فيه الرئيس الواحد من أفراد الرحلة بنظريته.
واستمر المجهود بهذه القواعد والقوانين، في وجود سلطة أسفل يد رجل شخص لأكثر من 40 عاماً، حتى اندلاع الثورة الليبية في 15 شباط/شباط 2011 التي أطاحت بحكم معمر القذافي، الذي وافته المنية بعد هذا وقُتل يوم 20 تشرين الأول/تشرين الأول من نفس السنة.
واليوم وبعد وفاته بأعوام، لا يزال هناك من يشيد بفكرة القذافي في الحكم، ما يحفز مخاوف الكثيرين من إحتمالية استنساخ نفس المحاولة في أبعاد مغايرة.
مثلت الاحتجاجات المشتعلة على مدار أشهر في الشارع التونسي وفشل المسؤولين السياسيين في احتوائها، إمكانية سانحة للرئيس التونسي قيس مبتهج للدعاية عن حل إدارة الدولة وتجميد عمل مجلس النواب المنتخب تحت عنوان أفعال استثنائية لتغيير المجرى.
اعتبر سياسيون تونسيون وطيف فسيح من المجتمع العالمي، خطوة فرحان انقلاباً دستورياً ناعماً. ورغم ذاك، فإن التأييد والدعم الشعبي الذي حظي به قيس سعيد والذي اكتسبه على خلفية فشل النخبة السياسية، مكنه من المضي قدماً في متابعة إجراءاته.
وفي الأثناء تروج احتمالات وترجيحات بأن الرئيس التونسي ينوي تغيير التشريع الذي لم يكن راضياً عنه على حسب تصريحاته، وعبر عن رغبته في العودة إلى دستور 1956، مثلما أنه لوح مراراً بضرورة تغيير نمط الحكم شبه البرلماني إلى رئاسي يخوله صلاحيات أوسع من التي يتلذذ بها في الوقت القائم.
وبالوقوف لدى تلك الإفادات والتلميحات في خطابات قيس سعيد، ومع معرفة الجميع بعدائه للأحزاب السياسية، تطرح الأسئلة وبشدة عن طراز الحكم الذي يسعى إليه بهيج وعن خريطة الطريق التي ينوي رسمها وتحديدها للمرحلة القادمة.
ولو كان ثمة تخوف من الإلتباس الذي يكتنف المرحلة، فيعتقد كثيرون أن مشروعه واضح من البدء وعبر عنه تصريحاً وتلميحاً منذ عام 2011، ولفت إليه مدير حملته الانتخابية مكررا عام 2019، السياسي المنتمي للفكر اليساري رضا شهاب المكي، الذي أفاد في مرة سابقة، معتبراً أن زمن النخب التي تحتكر السلطة وتتقاسمها في ما بينها اختتم، وأن الإنماء لن تتحقق إلا بتحويل نظام الحكم لينبع من الشخصيات انطلاقاً من المحلي صوب المركزي ومن الأسفل إلى الأعلى.
وفي إفادات المكي دلالة إلى المشروع الذي روج له بهيج والذي يعتبر توأماً ومشابهاً للمشروع الذي نظر له رفاقه منذ ثورة كانون الثاني/كانون الثاني 2011، تحت اسم “مشروع قوى تونس الحرة” الذي يستند على منظور الهياكل أو اللجان المحلية التي تمثل قريبة من منظور اللجان الشعبية الليبية.
قد يظهر الزمن باكراً للوصول إلى تلك الفترة، وربما يوضح هذا مستبعداً في الوقت الموجود حسب ما شدد ذاك مختصون ومحللون سياسيون، يظنون أن ليست لهذه المخطط أو المشروع حاضنة سياسية وشعبية صلبة في الوقت الجاري لتكون ممكنة التطبيق في تونس.
سوى أنه وفي الوقت نفسه، يتفق الجميع أن قيس بهيج برفضه القائم التحاور مع أي طرف سياسي، وتقدمه في إجراءاته، قد تمهد له الأرضية لطرح مبادرات دستورية قريبة العهد، خاصة أنه يؤكد ضمن مجموعة ممَّن يشاركونه السياق أن القدوة السياسي التقليدي قد استنفد، وأن المرحلة التاريخية فرضت ذاتها لتقديم قدوة جديد.