سكت النبي لحظة، ثم قال لأبي العاص: قل لزينب ألا تفرط في عقد والدتها. ثم طلب النبي من أبا العاص الخلوة به زمانا. أمرني الله أن أفرق بين المسلمين والكفار، فسمح لي، وأعيد ابنتي إليّ “. ورد أبو العاص بالموافقة على طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جاء أبو العاص، وخرجت زينب لتستقبله بفرح في ضواحي مكة، فقال لها على الفور: إني راحل. فأجابت: إلى أين أنت ذاهب؟ قال لها: “إنك أنت الذي ستغادر لأبيك”. سألته عن السبب، فأجابها قائلاً: “حتى يكتمل الفراق بيني وبينك، ثم ارجعي”. فطلبت منه أن يرافقها ويخضع لله ولكنه رفض.

فجمعت أغراضها وأخذت أطفالها وغادرت متوجهة إلى المدينة، ومنذ ذلك اليوم كانت الرسالة تقرع أبواب والدها لمدة ست سنوات متتالية، لكنها رفضت أي شخص يتقدم لها، على أمل أن يكون لها. يعود الزوج ويحوله إلى الإسلام، وبعد مرور ست سنوات كاملة، خرج أبو العاص في قافلة متجهًا من مكة إلى بلاد الشام، وبدأ يسأل عن المنزل الذي تعيش فيه زوجته، ووصلوا إلى المنزل وكانوا يطرقون بابها، أو قبل طلوع الفجر بقليل، فسألته: هل أتيت كمسلم؟ كان رده أنه جاء يهرب.

سأله إذا كان يقبل اعتناق الإسلام، لكنه رفض هو الآخر، فقالت له: إذن أهلا بك لابن عمي أبي أمامة وعلي، لا تخافوا. وبعد صلاة الفجر سمع المصلون صوتا يقول: استأجرت ابن الربيع. قالت زينب. قال: يا حبيبة الله إن بقي فهو ابن عمي، وإن كان قريبًا فهو والد الأبناء، وقد استأجرته، فخاطب الرسول الناس، وإذا أرادوا أن يعيدوا له ماله، وتركه يرحل، فيفعلوا ذلك، أو الأمر متروك لهم، ولا مانع منهم “.

اتفق الناس على إعادة ماله، وعندما وصلوا إلى المنزل، قال الرسول الكريم لزينب، تكريمًا لكرم ضيافته، لكن لا تسمح له بالاقتراب منها، فهو ممنوع عليها، فسمع كلامها. ولما دخلوا المنزل تحدثت لأبي العاص قائلة له: هل فراقنا سهل؟ يقع عليك ؟ ألا تستسلم حتى نتمكن من أن نكون معًا؟ رفض، ثم أخذ ماله، وعاد إلى مكة مرة أخرى.

فلما وصل إلى مكة أعطى الناس مالهم، فشكروه ؛ لأنه أوفى بوعده، وعلى الفور نطق بالشهادة، ثم عاد إلى المدينة المنورة فجرًا، وذهب إلى الرسول الكريم، فلفظ الشهادتين، وطلبوا منه السماح له بإعادة زوجته، فذهبا إلى منزلها، وقبل دخولها سألها الرسول عن رأيها في العودة إلى ابن عمها، فاحمر خديها، وابتسمت بخجل أيضًا.

بعد عام توفيت السيدة زينب، وحزن عليها زوجها كثيرا، وكان يبكي بسبب خسارتها، ولم يمر عام، إلا أنه وافته المنية رضي الله عنهما، و نيابة عنا.