من الذي انتصر في حرب تموز وماهي خسائر إسرائيل في حرب تموز 2006 … يصادف اليوم 14 آب ذكرى عاقبة ما سمي حرب تموز 2006، تلك المعركة التي أدت إلى إعطاب عظيم في لبنان، على مختلف المستويات العمرانية والاقتصادية وأسفرت عن نتائج كارثية على صعيد تدهور الدولة اللبنانية.

من الذي انتصر في حرب تموز وماهي خسائر إسرائيل في حرب تموز 2006

من الناحية العسكرية حقق حزب الله ولا أقول لبنان، بعض الإنجازات العسكرية التي تندرج في تحريم إسرائيل من تحري فوز عسكري كامل على حزب الله، الذي نجح في الإضرار نسبيا بالجيش الإسرائيلي، وذلك يدرج فنيا أو عسكريا في سياق الإنجاز النسبي، ودائما في خانة الإنجاز الحزبي والمنفعة الإيراني.

في نهاية تلك المعركة التدميرية، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وهو ينظر إلى بقايا المعركة، إن “حزب الله كسب”، وأزاد في التدليل على ذاك المكسب، وهو يعلق على صورة عملاقة وليس لها مثيل في السابق من حيث الحجم لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وُضعت في بيروت وعلى الطريق الذي يبلغ مهبط الطائرات العالمي بوسط بيروت، “صورة نصرالله أضخم من لبنان”.

ما قاله جنبلاط، في ذاك الحين، اختصر المشهد اللبناني بعد الموقعة؛ كسب حزب الله ونصرالله أما لبنان ولقد هزم.

بعد هذه السنين لم تتحول الصورة، حزب الله ما يزال منتصرا، أما لبنان فهو في موضع أحدث ومن غير شك ليس في خانة المنتصر. ما اعتبره حزب الله انتصارا هو أنه نجح عقب تلك المعركة في إتمام أي فرصة جادة، لنقل المرسوم الاستراتيجي لسلاحه إلى الدولة اللبنانية، وباتت الاستراتيجية الدفاعية التي تعني وحط مرسوم السكينة والحرب في لبنان بيد السلطة التشريعية اللبنانية، مؤخرا لا ثمن له في حسابات حزب الله.

شكلت تلك الحرب فصلا نوعيا في فصول انكفاء الدولة اللبنانية وتضعضعها لأجل صالح ازدياد منطق الميليشيا، التي عززت من الاصطفافات المذهبية والطائفية، والتي عززت بدورها من مبررات وجودها، من تأثير سلاح حزب الله الذي يرتكز في أسس وجوده على بعدين، شخص يتصل بالداخل اللبناني

ويستند إلى عصب شيعي يصونه ويحتمي به، وبعد خارجي هو أنه امتداد للقوة الإقليمية الإيرانية التي أسست حزب الله واستسلم الحزب إلى الإخلاص المطلق لها. فعلى الرغم من ادعائه أنه مقاومة لبنانية، سوى أنه إنتظر واستمر ثابتا في ولائه لإيران محتكرا هذا العنوان اللبناني له، رافضا أن يكون له أي شريك في قضية تعني لبنان واللبنانيين بالدرجة الأولى.

تلك المعركة التي شهد لبنان تداعياتها وما زال، رسخت الهزيمة الأخطر، والانتصار الأهم لإسرائيل بعد حزب الله وإيران، أي أن الهزيمة كانت لمشروع البلد الذي ارتفع تضعضعا بفضل هذا “الانتصار”، وترسخت الانقسامات الداخلية بعدما أدرك اللبنانيون أن سلاح حزب الله بات أشد من الجمهورية والمجتمع، وأصبح يخضع لحسابات إقليمية تتجاوز مقدرة لبنان على مجاراتها أو استيعابها.

وفيما كان حزب الله يبدأ عملية السيطرة والاستحواذ على لبنان مستفيدا من انتصاره وهزيمة البلد، كان المشروع المذهبي بمثابته يعرب عن الامتداد الإيراني جوهر الشدة التي يستند إليها، ولم تكن إسرائيل مستاءة من ذلك الارتفاع، طالما أنه تعبير عن انقسام المجتمع اللبناني، ولأنه كذلك فهو عنصر حراسة موضوعي

لأمنها الذي شهد منذ ذاك الحين استقرارا غير مسبوق على طول الحدود مع لبنان، ولذا كان يترافق مع انكماش وانكفاء عربي إقليمي، بدأ لبنان يدفع قيمته لاحقا ولا يزال بشكل كبير اقتصاديا وماليا واجتماعيا.

وجاءت الثورة السورية لتكشف بوضوح لا لبس فيه، أن الشدة الإيرانية على حواجز إسرائيل وبشكل خاص حزب الله، هي قوة تأثير إيراني بالدرجة الأولى، وأن مهنة السلاح تأمين هذا التأثير، ولم تكن وظيفته تحرر الأرض المحتلة. لهذا كان الزخم العسكري الذي استخدمه حزب الله في سوريا

لا يمكن مقارنته بحجم ما قام به في مواجهة الانتزاع الإسرائيلي منذ نشأ حزب الله، فحجم الاشتباكات العسكرية وعديدها التي خاضها على امتداد الأراضي السورية، وأعداد المجني عليهم الذين سقطوا من جنوده في محفل الثورة السورية يفوق عدد الذين سقطوا في معاركه في مواجهة إسرائيل، وهذا لم يكن بلا آثار عميقة في بنية حزب الله ومنهجه السياسي والأيديولوجي، الذي باتت الهوية السياسية المذهبية العنصر المحدد لخياراته، التي جعلته أكثر انسجاما مع مشروع حلف الأقليات.

مع كل الانتصارات التي أفاد رئيس كتلة حزب الله البرلمانية النائب محمد رعد الاثنين الماضي أنها تحققت لمحور إيران في المكان العربية في جمهورية العراق واليمن وسوريا ولبنان

فإن المفارقة أن انتصار إيران وحزب الله انتصار متلازم مع هزيمة الجمهورية وتفسخ المجتمع، ومع تمكين الكيان الإسرائيلي ليس في فلسطين فقط، إلا أن في نفوذه الذي صار ممتدا على طول المنطقة العربية وعرضها. فيما المجتمعات العربية في الدول المشار إليها، لم تعان في تاريخها من هذا التشظي في تحقيق الشخصية والقومية وحتى الهوية الإسلامية كما هي اليوم.

قبل 48 ساعةٍ هزّ تفجر كبير قاعدة “صقر” العسكريّة اتجاه جنوب العاصمة العراقيّة، بغداد، للمرّة الثالثة خلال أسابيع. وظهر وفق ما سربت قنوات وصحف ومواقع متعددة ومنها إسرائيلية، “أنها ضربات وقفت على قدميها بها طائرات إسرائيلية”، ولكن المحور الإيراني لم يقم بأي رد على تلك الضربات كحال مئات الضربات التي طالت مواقعه في سوريا من قبل إسرائيل أيضاً.

من ناحية أخرى أكد القيادي في حزب الله محمد رعد “أننا جاهزون لتلقينها درسا” ولكن الدرس الذي يتحدث عنه رعد، هو من الممكن إشعار علني نهاية لبنان الذي أمسى عاريا من كل مكونات الشدة، بحيث أن السلاح الذي يملكه حزب الله لا ثمن له وطنيا طالما أن قرارا أميركيا يأتي ذلك عن وزارة الخزانة الأميركية، كفيل بأن يسقط لبنان ماليا واقتصاديا، وما دام أن لبنان يستجدي الإعانات الأوروبية والأميركية والعربية.

منذ أيام كان كافيا أن تصدر القنصلية الأميركية إشعارا تحذيريا للحكومة اللبنانية فيما يتعلق استغلال سلطة القضاء لتصفية حسابات سياسية، لتسارع الحكومة وعلى رأسها حزب الله لإزالة العقبات في مواجهة محفل مجلس الوزراء، ولتتوقف المبادرة على وليد جنبلاط.

حتى الآن ثلاثة عشر عاما على مكسب حزب الله في معركة يوليو، ما زال لبنان يدفع ثمن ذلك “المكسب” بواسطة الزيادة من تهميش الدولة وتراجع تحقيق الشخصية والدور العربي، ويتيح القدوة للجمهورية الفاشلة وعلى قدرة الدويلة التي مثلها حزب الله على أن تتيح الأرضية الموائمة لتمدد الدول الإقليمية ولاسيما إسرائيل.

ولو كان هذا الواقع صارما على اللبنانيين وعلى غيرهم من العرب، فإنه يؤكد حقيقة لا مفر منها في أي تفكير نهضوي وطني وقومي، هو أن لا قيامة لمجتمع سوى بالدولة، ولا قيامة للجمهورية إلا بإسقاط الدويلة، تلك التي ترتدي قناع الصمود حينا، وقناع الدين في بعض الأحيان، والمذهب في بعض الأحيان أخرى