ما هو حكم النذر لله تعالى، فالنذر مما شرعه الإسلام للمؤمنين إذا ما ألزموا أنفسهم بأمر لله تعالى، وهو مما يدرج كثيرًا بين المسلمين على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وثقافاتهم، وفي هذا المقال يتوقف موقع محمود حسونة مع بيان حكم نذر المسلم لله تعالى، إضافة للوقوف مع تعريف النذر، وذكر حكمه مفصّلًا ومشروعيته وشروطه والصيغة التي ينعقد بها، مع التوقف مع عدد من أقسام النذر وكفارته.
تعريف النذر
يُعرَّف النذر في اللغة على أنّه النحب؛ ويُقصد به ما ينذره الإنسان، فيجعله على نفسه نحبًا واجبًا، فيقال: نذر على نفسه لله كذا، ونذر الإنسان ينذر نذرًا ونذورًا، وفي الاصطلاح الفقهي عرّف علماء الفقه النذر على أنّه “إِلْزَامُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْقَوْل شَيْئًا غَيْرَ لاَزِمٍ عَلَيْهِ بِأَصْل الشَّرْعِ”، بمعنى أن يختار المسلم المكلَّف أمرًا غير لازم له في الشرع في سبيل الله تعالى، وفيما يأتي تفصيل القول في النذر
ما هو حكم النذر لله تعالى
إنّ حكم النذر لله -تعالى- هو من الأحكام التي اختلف فيها فقهاء الأمّة، وبعد الوقوف على تعريف أصل كلمة النذر في اللغة العربية واصطلاح الفقهاء، فإنّ هذا المقال يتوقف مع بيان حكم النذر في الشرع الإسلامي، وقد اختلف الفقهاء في حكم النذر على اتجاهين هما:
الاتجاه الأول
الاتجاه الأول الذي ذهب إليه فقهاء الأمة هو أنّ النذر مندوب إليه، ولبعض العلماء تفصيل في نوع النذر الذي يوصف بذلك، فذهب الحنفية إلى أن النذر قربة مشروعة، ولا يصح إلا بقربة لله تعالى من جنسها واجب، وذهب المالكية إلى أن النذر المطلق -وهو الذي يوجبه المرء على نفسه شكرًا لله تعالى- مستحب، وذهب بعض فقهاء الشافعية مثل القاضي الباقلاني والإمام الغزالي وأبو سعد المتولي النيسابوري إلى أنّ النذر قربة.[2]
واستدلّ أصحاب هذا الاتجاه بأدلة كثيرة منها من الكتاب ومن السنة ومن المعقول، فمن الكتاب قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}،[3] وقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}،[4] ومن السنة قوله -صلى الله عليه وسلم-: “مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ”،[5] ومكن المعقول قولهم: “إِنَّ النَّذْرَ يُتَوَسَّل بِهِ إِلَى الْقُرَبِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا، وَلِلْوَسَائِل حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَيَكُونُ النَّذْرُ قُرْبَةً”، وغير ذلك من الأدلة العقلية، والله أعلم.
الاتجاه الثاني
رأى أصحاب هذا الاتجاه أنّ النذر مكروه، وذلك عند المالكية والشافعية في الجملة والحنابلة في الصحيح من المذهب، وهنالك تفصيل لبعض فقهائهم في النوع الذي يوصف بذلك:[6]
- وقال المالكية إنّ النذر المكرر مكروه، وهو النذر الذي يتكرر على الناذر فعله مثل صوم كل يوم خميس؛ فهذا النذر يكره لأنه يتكرر على الناذر في أوقات قد يثقل عليه فعله فيها، فيفعله بالتكليف من غير طيب نفس وخالص نية.
- وقد جزم الإمام النووي من الشافعية بكراهة النذر، وقال الرملي من فقهاء الشافعية إنّ الأصح اختصاص الكراهة بنذر اللجاج؛ لأنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل، بخلاف نذر التبرر فهو مندوب إليه، لأنه قربة ووسيلة إلى طاعة، والوسائل تأخذ حكم الغايات، ولأن الناذر يثاب على نذره ثواب الواجب.
- أمّا الحنابلة فالصحيح من مذهبهم أنّ النذر مكروه، قال البهوتي: “النَّذْرُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ مَكْرُوهٌ وَلَوْ عِبَادَةً”، وقال الحسن بن حامد من فقهاء الحنابلة: “الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُبَاحٌ”.
وأدلّة أصحاب هذا الاتجاه هي من السنة ومن المعقول، فمن السنة حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه: “نَهَى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ، وقالَ: إنَّه لا يَرُدُّ شيئًا، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ به مِنَ البَخِيلِ”،[7] ومن المعقول قولهم: “إِنَّ النَّذْرَ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوهُ، وَعَدَمُ فِعْلِهِمْ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ”، والله أعلم
حكم النذر إسلام ويبساق القائمون على مركز الفتوى في موقع إسلام ويب حكم النذر كما ورد عن العلماء، فقالوا إنّ أهل العلم اختلفوا في حكم النذر بين الكراهة والإباحة والتحريم، ورجّح القائمون على الفتوى القول بكراهة النذر، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه: “نَهَى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ، وقالَ: إنَّه لا يَرُدُّ شيئًا، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ به مِنَ البَخِيلِ
ولكنّهم قالوا إنّ المسلم إذا نذر، فإنه يلزم الوفاء بنذره؛ إلاَّ إذا كان نذر معصية، فلا يجوز له الوفاء به، قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ”،[5] وذكروا أنّه من نذر التصدق بصدقة، ولم يحدد لها جهة أثناء التزامه بالنذر جاز له أن يصرفها إلى أي بقعة شاء، وأما من حدد الجهة أثناء الالتزام، فلا يجوز له أن يصرف النذر عنها، إلا عند تعذر إيصاله لها أو استغنائها عن المنذور، والله أعلم.
مشروعية النذر
إنّ الفقهاء لم يختلفوا في صحة النذر في الجملة، ووجوب الوفاء بما كان طاعة منه، واستدلوا على حكمهم بما جاء في الكتاب والسنة والإجماع، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}،[4] وقوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.[9][10]
ومن السنة ما ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه قال: “يا رَسولَ اللهِ، إنِّي نَذَرْتُ في الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً في المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقالَ له النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أوْفِ نَذْرَكَ. فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً”.[11][10]
ومن السنة كذلك حديث عمران بن الحصين -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “خَيْرُ أُمَّتي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، -قالَ عِمْرانُ فلا أدْرِي: أذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أوْ ثَلاثًا- ثُمَّ إنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ، ويَخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، ويَنْذُرُونَ ولا يَفُونَ، ويَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ”،[12] وحكى الإجماع على مشروعية النذر ابن رشد الحفيد وابن قدامة وغيرهما، والله أعلم.[10]
شروط النذر للهإنّ شروط النذر لله -تعالى- تنقسم إلى قسمين تتحقق بمقتضاهما شروط النذر، وهذه الشروط -كما قسّمها العلماء- ترتبط بالناذر -وهو الشخص الذي نذَرَ- وبالمنذور وهو الأمر الذي نذره لله تعالى، وبيان تفصيل تلك الشروط كما يأتي:
شروط الناذر
كي يصح النذر، فإنّ هنالك شروطاً لا بدّ من توفرها في الشخص الناذر، وتلك الشروط هي:[13]
- الإسلام: فلكي يصح النذر ينبغي للإنسان أن يكون مسلمًا، لا يصح النذر من الكافر.
- الاختيار: بمعنى أن يكون النذر باختياره، فلا يصح النذر من مُكرَه.
- نفوذ التصرف: فينبغي للمسلم أن يكون نافذ التصرف فيما ينذر، فلا يصح النذر من الصبي والمجنون.
- التكليف: فينبغي للمسلم أن يكون مكلَّفًا، وعليه فلا يصح من غير المكلف كالصبي ونحوه.
- النطق: فلا يصح النذر بالإشارة إلّا إن كان المسلم أخرسَ وكانت إشارته مفهومة.
شروط المنذورلكي يصح المنذور، فإنّ هنالك شروطًا وضعها الفقهاء استنادًا لما جاءت به الشريعة الإسلامية، وتلك الشروط هي:[13]
- أن يكون المنذور قربة غير واجبة بغير النذر.
- أن يكون المنذور عبادة مقصودة، فلا يصح النذر بما هو وسيلة كالوضوءِ والاغتسالِ ومسِّ المصحفِ والأذانِ وتشييع الجنازةِ ونحو ذلك؛ فإنّ هذه الأمور وإن كانت قربة، إلا أنَّها غير مقصودة لذاتِها، ولكن المقصود هو ما يترتب عليها.
- أن يكون المنذور به متصورَ الوجود في نفسه شرعًا، فعليه لا يصح النذر بما لا يتصور وجودُه شرعًا، كأن يعزم الناذر أن يصوم في الليل، أو أن تصوم الحائض، فليس الليل محل صوم، ولا الحيض وقت صوم؛ لأنّ الصوم يقتضي الطهارة، والله أعلم.
صيغة النذرقال الفقهاء إنّ صيغة النذر تكون باللفظ ممن يتأتى منهم التعبير به، وأن يكون هذا اللفظ مشعرًا بالالتزام بالمنذور؛ وذلك لأن المعول عليه في النذر هو اللفظ، فهو السبب الشرعي الناقل لذلك المندوب المنذور إلى الوجوب بالنذر؛ إذ إنّه لا يكفي في ذلك النية وحدها بدونه.[14]
كذلك قال الفقهاء إنّه يقوم مقام اللفظ الكتابة المقرونة بنية النذر، وكذلك يقوم مقامه إشارة الأخرس المفهمة الدالة أو المشعرة بالتزام كيفية العقود، فلم يختلف الفقهاء في أنّ من نذَرَ، فصرح في صيغته اللفظية أو الكتابية بلفظ “النذر” أنّه ينعقد نذره بهذه الصيغة، ويلزمه ما نذر، ولكنّ الخلاف بينهم كان في صيغة النذر إذا خلت من لفظ “النذر”، كأن يقول المسلم: لله علي كذا، ولم يقل “نذرًا”، فاختلفوا في هذا وفيما إذا كان ينعقد نذره بهذه الصيغة، ويلزمه ما نذر أم لا، فكان لهم في ذلك اتجاهان هما:[14]
الاتجاه الأول
قال فقهاء هذا الاتجاه إنّ النذر ينعقد ويلزم الناذر وإن لم يصرح في صيغته بلفظ النذر، إذا أتى بصيغة تفيد التزامه بذلك، فقد روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ قال لرجل قال: “عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى الْكَعْبَةِ لِلَّهِ”، فقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: “هَذَا نَذَرَ فَلْيَمْشِ”، وبهذا القول قال سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد ويزيد بن إبراهيم التيمي، وإليه ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وحكاه ابن قدامة عن جماعة من العلماء.[14]
وقال أصحاب هذا الاتجاه: “إِنَّ عَدَمَ ذِكْرِ لَفْظِ النَّذْرِ فِي الصِّيغَةِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي لُزُومِ النَّذْرِ إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِالأَْقَاوِيل الَّتِي مَخْرَجُهَا مَخْرَجُ النَّذْرِ النَّذْرَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِلَفْظِ النَّذْرِ”، وقالوا كذلك: “إِنَّ مَنْ قَال: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ النَّذْرِ، فَإِنَّ لَفْظَةَ ” عَلَيَّ ” فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ لِلإِْيجَابِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا قَال عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ قَال: هُوَ عَلَيَّ نَذْرٌ”، والله أعلم.[14]
الاتجاه الثانيقال أصحاب هذا الاتجاه إنّ النذر لا ينعقد إلّا إذا صرَّحَ في صيغته بلفظ النذر، وهذا القول قال به سعيد بن المسيب في رواية أخرى عنه، وكذلك قال به القاسم بن محمد، واستدلّ أصحاب هذا القول بالمعقول فقالوا: إِنَّ النَّذْرَ إِخْبَارٌ بِوُجُوبِ شَيْءٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّاذِرِ إِلاَّ أَنْ يُصَرِّحَ بِجِهَةِ الْوُجُوبِ”، والله أعلم.[14]
أقسام النذربعد الوقوف على حكم النذر ومشروعيته وصيغته وشروطه وغير ذلك، فإنّ المقال يتوقف الآن مع أقسام النذر، فقد قسّم فقهاء المذاهب الأربعة النذر بحسب اتجاه كل مذهب منهم، وتلك التقسيمات هي:[15]
شاهد أيضًا: حكم الإنتحار شرعا وحكم الصلاة على المنتحر والدعاء له
تقسيم الحنفية
قسّم الحنفية النذر إلى قسمين: القسم الأول وهو النذر المسمى، وهو الذي صرح فيه الناذر بما نذر من صوم أو صلاة أو صدقة أو نحوها، وهذا النذر قد يكون مطلقًا غير مقيدٍ أو معلقٍ بشرط بأن يوجبه الناذر على نفسه ابتداءً شكرا لله -تعالى- على ما أنعم به عليه فيما مضى، أو لغير سبب.[15]
وقد يكون نذرًا مُقيّدًا بحصول شيءٍ أو معلق على شرط، بأن يوجبه الناذر على نفسه معلقًا على شرط حصول أمر هو من فعل الناذر، واجبًا أو حرامًا أو من فعل غيره من العباد أو من فعل الله تعالى، وأمّا القسم الثاني فهو النذر المبهم، وهو الذي لا نية للناذر فيه، ولم يعين الناذر مخرجه من الأعمال.[15]
تقسيم المالكيةقسّم المالكية النذر إلى عدة أقسام بحسب كل اعتبار من اعتباراتهم، فقسّموه باعتبار الإطلاق والتقييد إلى نوعين هما: نذر مطلق، ونذر مقيد أو معلق على شرط، وباعتبار ما له مخرج من الأعمال وما ليس له ذلك إلى قسمين هما: نذر مسمى ونذر مبهم بمفهومهما نفسه عند الحنفية.[15]
تقسيم الشافعيةقسّم الشافعية النذر باعتبار الغرض من النذر إلى قسمين هما: نذر التبر والقربة ونذر اللجاج والغضب، فنذر التبر والقربة ينقسم إلى نوعين هما: نذر مطلق يلتزم فيه الناذر النذر ابتداءً من غير تعليق على شرط، والنوع الثاني هو نذر المجازاة، وهو الذي يلتزم فيه الناذر قربةً في مقابل حدوث نعمةٍ أو اندفاع بلية، وأمّا نذر اللجاج والغضب، فقد عرّفوه بأنّه النذر “الَّذِي يَمْنَعُ النَّاذِرُ فِيهِ نَفْسَهُ مِنْ فِعْلٍ وَيَحُثُّهَا عَلَيْهِ، بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ بِالْفِعْل أَوْ بِالتَّرْكِ، وَيُقَال فِيهِ: يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَيَمِينُ الْغَلَقِ وَنَذْرُ الْغَلَقِ”.[15]
كذلك قسّم الشافعية النذر باعتبار الملتزم به إلى أقسام ثلاثة:[15]
- القسم الأول: نذر الطاعة وهو التزام ما يعد طاعة لله -سبحانه-، وله ثلاثة أنواع كذلك.
- القسم الثاني: نذر المعصية وهو التزام ما نهى عنه الشارع كشرب الخمر أو القتل أو ترك الصلاة ونحوها.
- القسم الثالث: نذر المباح وهو التزام ما لم يرد فيه ترغيب في الشرع كالأكل والشرب والنوم ونحو ذلك.
تقسيم الحنابلةأمّا الحنابلة، فقد ورد عن فقهائهم عدّة تقسيمات؛ فقد قسّم ابن قدامة النذر إلى أقسام هي: نذر اللجاج والغضب، ونذر الواجب، ونذر المستحيل، ومثَّلَ ابن قدامة لنذر المستحيل بمن نذر صوم يوم أمس، وهذه الأنواع في مجملها لا تخرج عما عرفت به عند الفقهاء قبل ذلك، وأمّا البهوتي فقد قسّم النذر إلى: نذر اللجاج والغضب والنذر المطلق ونذر المباح ونذر المكروه ونذر المعصية ونذر التبرر، وقد مثل لنذر المكروه بنذر الطلاق أو ترك السنة.[15]
ولكلّ قسم من أقسام النذر المذكورة حكم قد ذكره الفقهاء، فوقفوا على تعريف كل قسم من هذه الأقسام ومثّلوا له، وبعد ذلك وقفوا على حكم هذا النوع وما يجب على المسلم فيه وما، واستدلوا على أقوالهم بأدلّة من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو المعقول وغير ذلك، والله أعلم.[15]
كفارة النذرذكر الفقهاء أنّ كفّارة النذر هي كفارة اليمين، وذلك لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: “كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ اليَمِينِ”،[16] وكفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو صيام ثلاثة أيّام لمن لم يجد شيئًا من ذلك،[17] وينتقل المسلم إلى دفع الكفارة بدل النذر في الحالات التالية:[18]
- إذا كان النذر مما يعجز المسلم عن الإيفاء به، فهنا تجب عليه الكفارة، وقال الفقهاء أن مثل هذا النوع يُكره له النذر، ودليلهم قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: “نَهَى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ، وقالَ: إنَّه لا يَرُدُّ شيئًا، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ به مِنَ البَخِيلِ”.[7]
- إذا كان النذر مما يشق على المسلم، كأن ينذر المسلم أن يقوم الليل كله، أو يصوم الدهر كله، أو يتصدق بماله كله، أو يحج أو يعتمر ماشيًا، فهنا لا يجب عليه النذر وتجب عليه الكفارة.
- إذا كان النذر بصيام أيام وافقت أيام العيد أو النحر، فهنا الصيام لا يجوز ولا يجب الوفاء بالنذر، وتلزمه الكفارة، فيروي التابعي حكيم بن أبي حرّة الأسلمي يقول: “كُنْتُ مع ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ أنْ أصُومَ كُلَّ يَومِ ثَلَاثَاءَ أوْ أرْبِعَاءَ ما عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هذا اليومَ يَومَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أمَرَ اللَّهُ بوَفَاءِ النَّذْرِ، ونُهِينَا أنْ نَصُومَ يَومَ النَّحْرِ فأعَادَ عليه، فَقَالَ مِثْلَهُ، لا يَزِيدُ عليه”،[19] والله أعلم.