بحث عن صلاح الدين الأيوبي، بحث عن صلاح الدين الأيوبي هو من الأبحاث المهمة التي قد تُطلب من الطلاب في المدارس أو الباحثين في قسم التاريخ أو غيرهم من طلاب العلم، نظراً للإنجازات العظيمة التي حققها هذا القائد العربي الذي تمكّن من إخراج الصليبيين من بيت المقدس بعد ثمانٍ وثمانين عاماً من الاحتلال، لذلك سندرج لكم في هذا المقال بحث عن صلاح الدين الأيوبي سنستعرض فيه سيرته الذاتية وأهم أعماله وإنجازاته ومراحل حياته.
مقدمة بحث عن صلاح الدين الأيوبي
لا يخلو التاريخ العربي من العظماء الذين سطّروا ببطولاتهم أروع ملاحم التضحية والفداء والذين حملوا قلوبهم على أيديهم ووضعوا النصر نصب أعينهم وحملوا راية الجهاد في سبيل الله وقاتلوا لإعلاء كلمة الحق ولنصرة دين الله في الأرض ودفع الغزاة المعتدين وردّ الأراضي المسلوبة إلى أصحابها، والتاريخ العربيّ حافلٌ بأسماء كثيرةٍ سطرتها كتب التاريخ وشهدت عليها الأرض وتناقلت قصص بطولاتها الأجداد إلى أن وصلت إلينا، ومن هؤلاء العظماء الذين لا يخفى اسمهم عنّا هو الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي استطاع بإيمانه وشجاعته وبسالته وتأييد الله له أن يستردّ القدس من أيدي الصليبيين الغزاة، وفي هذا البحث سنتعرّف على هذا البطل المغوار والفارس الكرار، وندرج لكم فيما يأتي بحث عن صلاح الدين الأيوبي.
بحث عن صلاح الدين الأيوبي
سنتناول في هذا البحث سيرة القائد العربي صلاح الدين الأيوبي الذي يشهد التاريخ على بطولاته وإنجازاته، وسنتعرّف على صلاح الدين الأيوبي ونشأته وصفاته وأهم المعارك التي خاضها وكيف انتصر على الصليبيين واستطاع استرداد بيت المقدس من بين أيديهم في معركة حطين وغيرها من المعلومات المشوقة التي ستجدونها في بحث عن صلاح الدين الأيوبي
من هو صلاح الدين الأيوبي
هو أبو المظفر والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي الملقب بالملك الناصر “532 – 589 هـ / 1138 – 1193 م”، واشتهر بلقب صلاح الدين الأيوبي وهو مؤسس الدولة الأيوبية التي قامت بتوحيد الشام ومصر والحجاز واليمن وتهامة تحت راية الدولة العباسية بعد أن استطاع القضاء على الخلافة الفاطمية التي دامت 262 سنة.
كان صلاح الدين يسير على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد قال عنه المؤرخون أنّه كان يتبع العقيدة الأشعرية ويلتمس الرأي والمشورة من علماء الصوفية الأشاعرة، اشتهر صلاح الدين بصفاة القادة العرب من الشجاعة والبسالة والتسامح والمعاملة الإنسانية لأعدائه وهو ينال التقدير والاحترام من العالم العربي والإسلامي وكذلك من العالم الأوروبي والمسيحي، فقد كتب عنه الكثير من المؤرخين الأوروبيين وأشادوا بصفاته ومعاملته الإنسانية وأصبح رمزاً للفروسية والشجاعة والإنسانية في أوروبا كما ورد اسمه في العديد من القصص والقصائد الفرنسية والإنكليزية التي كتبت في تلك الفترة.
وأهمّ إنجازات صلاح الدين أنه خاض العديد من المعارك والحملات ضد الصليبيين الأوروبيين الذين كانوا يحتلون بيت المقدس واستطاع استرداد الأراضي المقدسة من بين أيديهم بعد 88 عاماً من استيلائهم عليها، واستطاع هزيمة جيوشهم في معركة حطين التي خلّدها التاريخ دلالةً على أنّ حكم الظالم مهما طال فلن يدوم.
نشأة صلاح الدين
ولد صلاح الدين عام 532 هـ/1138م في مدينة تكريت في العراق وهو ابن نجم الدين أيوب الذي كان والياً على قلعة تكريت وغادها يوم مولده، ويعود نسبه إلى أيوب بن شاذي بن مروان الذي كان يعيش في مدينة دوين في أرمينيا، وقد اختلف في أصل الأيوبيين فمنهم من قال إنهم من الأكراد إلّا أن بعض ملوك الأيوبيين قالوا أنهم من العرب، انتقل صلاح الدين الأيوبي إلى دمشق مع أبيه وقضى فيها طفولته وأمضى شبابه في بلاط أمير دمشق الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، تلقّى علومه في دمشق حيث برع في العلوم الهندسية والرياضيات وكان شغوفاً بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي بجانب تفوّقه في العلوم السياسية والعسكرية، كما كان ملمّاً بعلوم الادب وتاريخ العرب وعلم الانساب والسير الذاتية، وكان محبّاً للخيول العربية.
صفات صلاح الدين الأيوبي
نشأ صلاح الدين الأيوبي في كنف الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي امير دمشق، وكان الأمير يقدّمه وينزّهه، فقد تعلّم منه صلاح الدين الصفات الحسنة من المبادرة إلى الخير وفعل المعروف والنهي عن المنكر والاجتهاد في أمور الجهاد، وكان رحمه الله فارساً مقداماً طويل القامة ضخم البنيان شجاع القلب محبّاً لله وناصراً لدينه حكيماً وبارعاً في العلوم الهندسية والرياضية والفنون السياسية والعسكرية، كما كان محبّاً للأدب والشعر، كريماً في عطائه بسيطاً في ملبسه ومطعمه ومركبه، وكان مجاهداً مثابراً ما إن ينتهي من غزوةٍ حتّى يبدأ بغزوةٍ أخرى ولم يتوقّف عن الجهاد والقتال في سبيل الله حتّى وفاته.
ومما قيل في صفاته: قال أبو شامة: “كان -رحمه الله- شديد القوى عاقلاً وقوراً مهيباً كريماً شجاعاً، كثير الغزو عالي الهمة. لم يختلف عليه في أيامه أحد من أصحابه، وكان الناس يأمنون ظلمه، ويرجون رفده، وأكثر ما كان يصل عطاؤه إلى الشجعان والعلماء، ولم يكن لمبطل ولا لمزَّاح عنده نصيب”.
وقال العماد: “نزَّه المجالس من الهزل. يؤثر سماع الحديث بالأسانيد، حليماً، مُقيلاً للعثرة، تقياً، نقياً، وفياً، يغضي ولا يغضب، ما ردَّ سائلاً، ولا خجَّل قائلاً، كثير البر والصدقات. ما رأيته صلى إلا في جماعة
مرحلة الشباب في حياة صلاح الدين الأيوبي
بدأ صلاح الدين الأيوبي مسيرته العسكرية بالانضمام إلى كادر عمه أسد الدين شيركوه الذي انتقل إلى مصر بأمرٍ من العادل نور الدين محمود بن زنكي أمير دمشق وأصبح أسد الدين وزيراً في ذلك الوقت، ثم استلم صلاح الدين من بعده وكان عمره آنذاك 31 عاماً وأصبح وزيراً للخلافة الفاطمية في مصر وكذلك قائد القوات السورية هناك، وبدأ نجم صلاح الدين بالسطوع في المعارك التي خاضها مع عمّه أسد الدين شيركوه في مصر ضد الفاطميين والصليبيين وأبدا شجاعةً بارزةً وتكتيكاً فريداً في المعارك.
صلاح الدين الأيوبي وزيرًا في مصر
حاول أصحاب المطامع وأرباب المصالح إزاحة صلاح الدين عبر نشر الفتن وحياكة المؤامرات ولكنّه كان أقوى من ذلك واستطاع التغلّب على كل ذلك، وعندما شعر صلاح الدين بظهور التشيّع في مصر قام بتأسيس المدرسة الكاملية والمدرسة الناصرية وكان الهدف من تأسيس هاتين المدرستين تعليم الناس وتحويلهم إلى مذهب أهل السنة والجماعة ممهدّاً بذلك إلى إلغاء التشيع من مصر ونشر المذهب السني هناك، وعندما مرض الخليفة الفاطمي قام صلاح الدين بخطبة الجمعة باسم الخليفة العباسي المستضيء، وأصبحت مصر كلها تحت كلمته.[2]
جهاده ضد الصليبيين لاستعادة بيت المقدس
بدأ صلاح الدين جهاده ضد الصليبيين منذ أن كان جندياً في صفوف جيش عمّه الوزير أسد الدين شيركوه ثم تابع حروبه بعد أن استلم الوزارة من بعده وبعد أن قضى على التشيع وأنهى الدولة الفاطمية في مصر، وخاض عدّة معارك مع الفرنجة في الشوبك والكرك إلّا أنّه لم يحقق فيها الكثير لكنه في أثناء ذلك استطاع القضاء على حركات التمرد من المصريين والشيعة كما قام بالعودة إلى دمشق بعد أن علم باختلاف أحوال الناس بعد وفاة نور الدين، وضعف أركان الدولة من بعده، فقام بالعودة إلى دمشق وقام بتوطيد ملكه هناك ولاقى تأييداً كبيراً من الناس واجتماعهم حوله ودانت له البلاد بالولاء والطاعة، واستمرّت معاركه وغزواته ضد الصليبيين فقد كان بيت المقدس هدفاً نصب عينيه، فكان لا يخوض الغزوة إلّا ويتهيّأ للأخرى وصولاً إلى معركة حطّين التي مهّدت لاستعادة بيت المقدس من أيدي الصليبيين الذين احتلوه قرابة .
وقد اشتبك مع الصليبيين في العديد من المعارك الشركة وقام بفتح العديد من المدن تمهيداً للوصول إلى المسجد الأقصى فقد قام بفتح صيدا وعكّا ويافا وجبيل وعسقلان وغيرها من أجل أن يعزل القدس عمّا يجاورها، وكل ذلك تمهيدٌ وتجهيزٌ للمعركة الفاصلة والمصيرية في الهجوم على القدس وانتزاعها من أيدي الصليبيين
معركة حطّين
معركة حطيّن من أشهر المعارك التي خاضها المسلمون عبر التاريخ وقد قادها الناصر صلاح الدين بحكمةٍ منيرةٍ وقوّةٍ كبيرة وبمقاتلين مؤمنين يضعون نصب أعينهم النصر أو الشهادة، وبتأييدٍ من الله عزّ وجل تمكنّت جيوش المسلمين من هزيمة الصليبيين في تلك المعركة ومهدت لدخول القدس وإخراج الصليبيين منه: وسندرج لكم تفاصيل هذه المعركة فيما يأتي:[3]
- الاستعداد للمعركة: بدأت خطة صلاح الدين لدخول القدس باحتلال مدينة طبريا ثم استدراج الصليبيين لملاقاتهم في حطّين، فقد قام بنفسه بتولي قيادة جيش لمحاصرة مدينة طبريا وفي ليلةٍ واحدة أذن الله أن ينتصر فيها على الصليبيين الذين دافعوا عن المدينة بشراسةٍ بعد أن حاصرها ونقب بعض أبراجها، وكان معسكر صفورية قرب عكّا هو مجمّع للصليبيين وهو مكانٌ حصين لهم وملائم للقتال يتوفر فيه الماء ومراعي الخير ومن ورائهم البحر يستطيعون الحصول على الإمدادات في حال الحصار وقد أدرك صلاح الدين أنّ مهاجمة الصليبيين في هذا المعسكر يشكّل مخاطرةً كبيرةً وقد تبوء بالفشل لكنّه بعد أن احتل طبريا تريّث وقام باستدراج الصليبيين إلى حطّين الذين تيقّنوا أن وقوع حطّين في يد صلاح الدين سيؤدي إلى وقوع القدس فقاموا بالتخلي عن معسكرهم في صفورية والتوجّه إلى حطّين لملاقاة صلاح الدين ومنعه من احتلالها، وبذلك نجحت خطّة القائد الذكي بإخراج الصليبيين من أقوى معاقلهم واستدراجهم إلى حطّين لتكون معركة الفصل هناك.
- المسير إلى حطين: نجحت خطّة صلاح الدين بإخراج الصليبيين من معسكر صفورية ذو المياه الوفيرة والمراعي الكثيرة واستدراجهم إلى أرض حطّين حيث لا ماء ولا شجر ولا ظلال بل تلالٌ جرداء وأراضٍ قاحلة، وبدأ الصليبيون يسيرون إلى حطّين في هذه الطريق الصعبة فاشتدّ بهم العطش والتعب وضعفت قواهم، وكانت سهام المسلمين تتساقط كالأمطار في قلب جيوشهم وكانت المسلمون يهاجمون مقدمّة جيش الصليبيين ومؤخرته في كمائن قاموا بإعدادها مسبقاً وكان المسلمون قد عسكروا في الوادي المعشب من حطّين وعندما وصل الصليبيون لم يجدوا إلّا الهضاب الجافّة ليعسكروا فيها، وأمضى الصليبيون ليلتهم تلك وهم يشربون الخمور بدل الماء في حين كان المسلمون يرفعون أصواتهم بالدعاء والتكبير والتهليل.
- بدء المعركة :استغلّ المسلمون ما لحق بالصليبيين من شدّة العطش والظمأ لصالحهم واستغلّوا تعسكرهم في المناطق الجافة فقاموا بإضرام النار في الشجيرات والأعشاب اليابسة من حول الصليبيين فزادوهم عطشاً إلى عطشهم وظمأً إلى ظمئهم فانهارت قواهم وضعفت معنوياتهم وبعد أن قام المسلمون بتطويقهم تطويقاً كاملاً انهالوا عليهم بالهجوم وبدأت الملحمة بين الطرفين وكانت الغلبة للمسلمين فقد قتلوا الكثير من الصليبيين وأسروا الكثير منهم ولكنّ الفرسان من الصليبيين لم يستسلموا بل استماتوا في القتال وأظهروا شجاعةً كبيرةً في الحرب واستطاعوا الصمود امام هجمات المسلمين القوية، إلا أن أعدادهم بدأت بالتناقص بعد الهجمات المتكررة من المسلمين عليهم، وبعد أن شعر الصليبيون بفقدان السيطرة قام قائد الفرسان ريموند بمحاولةٍ للهجوم على القوات التي كان يقودها عمر ابن أخي صلاح الدين وذك لاقتحام صفوف المسلمين ولكنّ عمر كان فارساً قوياً وعسكرياً بارعاً استطاع ردّ الهجوم وهزيمة فرسان الصليبيين، فضعف عزيمة الصليبيين وتدهورت روحهم المعنوية واستطاع المسلمون الوصول إلى صليب الصلبوت (الخشبة التي يعتقدون أن المسيح عليه السلام صلب عليها ومانوا يحملونها في معاركهم) والاستيلاء عليها.
وقام صلاح الدين باستقبال كبار الأسرى في خيمته وكان من بين الأسرى أرناط الذي قام باستسماح صلاح الدين والاعتذار إليه عن الذنوب التي ارتكبها بحق المسلمين ولكنّ صلاح الدين قال له: ” أنت قتلت الحجاج، وأخفت المدينة المنورة، لقد أقسمت إن أظفرني الله عليك أن أقتلك بيدي، والآن أبر بقسمي”، ثم ضربه بالسيف وفصل رأسه عن جسده. - دخول القدس:حشد الصليبيون جموعهم في القدس مع من بقي منهم من معركة حطين بقيادة البطريرك هرقل لمنع المسلمين من الدخول إليها، وكانت في غاية الحصانة فظلّ صلاح الدين يطوف حول المدينة خمسة أيام لينظر من أين يبدأ القتال ثم وجد أن أفضل مكانٍ لبدء الهجوم هو من عند باب العمود في الشمال، وبدأت أصوات جيش المسلمين تعلو بالتكبير وهجموا على جيش الفرنجة فأزاحوهم عن مواقعهم حتى وصلوا إلى الخندق وتجاوزوه ووصلوا إلى السور وبدأوا بنقبه والرماة تحميهم والمنجنيقات لا تتوقف عن ضرب أسوار الفرنجة وبعد ثلاثة أيامٍ استطاع المسلمون نقب السور وأحدثوا فيه فتحةً كبيرةً وبدأ القتال واشتدت المعركة حتى طلب الصليبيون الصلح فأبى صلاح الدين ذلك، ثم طلبو الصلح مرّةً أخرى فقبل صلاح الدين الصلح بعد التشاور مع أصحابه وقادة جيوشه، وعندها أعلن الصليبيون استسلامهم فعاملهم صلاح الدين بمنتهى الإنسانية والأخلاق الإسلامية حتى أصبح رمزاً تاريخياً في البلاد الإسلامية والغربية، ثمّ دخل صلاح الدين إلى القدس وصلّى صلاة الجمعة في المسجد الأقصى في (27 تشرين الأول/ أكتوبر 1187م)، وتجمّع الصليبيون في المدن الساحلية وهي صور وطرابلس وأنطاكيا.[4]
الحملة الصليبية الثالثة
لم تسكت أوروبا على ذهاب القدس وقامت بحشد جيوشها رغم الخلافات الكبيرة التي كانت بين ملوكها في تلك الفترة وجهّزت للحملة الصليبية الثالثة بقيادة ملوك أقوياء، وسارت تلك الجيوش باتجاه القدس فوصلت إلى عكا وحاصرتها وهبّ صلاح الدين إلى حصار الصليبيين ومواجهتهم ودارت بينهم معركة كبيرة استمرّت من (آب/ أغسطس 1189م إلى حزيران/ يونيو 1191م)، انتهت بسقوط عكا في أيدي الصليبيين وفي ( 2 أيلول / سبتمبر1192م) وبعد مفاوضاتٍ طويلةٍ بين الطرفين توصلا فيها إلى اتفاقٍ يقضي بإقامة مملكةٍ للصليبيين مركزها عكا ويحق للمسيحيين زيارة الأماكن المقدسة في الناصرة والقدس.[4]
وفاة صلاح الدين
وبعد الاتفاق الذي عقد بين المسلمين والصليبيين عاد صلاح الدين إلى دمشق بعد عشرين عاماً من الجهاد ضد الصليبيين وفي 20 فبراير سنة 1193م أصيب صلاح الدين بالحمى الصفراوية ومرض مرضاً شديداً أضعف جسده وحرمه النوم واشتدّ عليه المرض إلى أن وافته المنية فجر يوم الأربعاء 4 مارس 1193م، وكان موته طامّةً فجعت قلوب المسلمين وبكوا عليه بكاءً شديداً حتى شغلهم البكاء عن الصلاة عليه، ودفن بعد العصر إلى جوار الملك نور الدين زنكي في المدرسة العزيزية بدمشق قرب الجامع الأموي، وفتحوا خزانته فلم يجدوا فيها ما يكفي لتكاليف جنازته فقد عاش عزيزاً كريماً وأنفق كل ماله في الصدقات وانشغل في الجهاد والبناء للآخرة عن متاح الدنيا وقصورها الزائلة.
وكتب القاضي الفاضل تعزيةً إلى صاحب حلب بوفاة صلاح الدين جاء فيها:” (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[5]، ( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)[6]، كتبت إلى مولانا الملك الظاهر أحسن الله عزاءه، وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف من السلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالاً شديداً، وقد حضرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر , وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده وقبلت وجهه عني وعنك، وأسلمته إلى الله وحده مغلوب الحيلة، ضعيف القوة، راضيا عن الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وبالباب من الجنود المجندة، والأسلحة المعمدة ما لم يدفع البلاء، ولا ما يرد القضاء، تدمع العين، ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا يوسف لمحزونون. وأما الوصايا، فما تحتاج إليها، والآراء، فقد شغلني المصاب عنها، وأما لائح الأمر، فإنه إن وقع اتفاق، فما عدمتم إلا شخصه الكريم، وإن كان غير ذلك، فالمصائب المستقبلة أهونها موته”.[7]
خاتمة بحث عن صلاح الدين الأيوبي
إن قصص الأبطال أمثال صلاح الدين وغيره ليست مجرد قصصٍ تاريخيةٍ انقضت وعفا عليها الزمن بل هي أسلوب حياة ورمز بطولة ونموذجٌ للإنسان المسلم الذي أمره الله بإحقاق الحق وإزهاق الباطل والجهاد في سبيله وعدم الرضوخ للمعتدين وعدم القبول بالذل وتقديس شعائر الله، واليوم يجب نسأل أنفسنا أين نحن من شخصية صلاح الدين الأيوبي؟ فوالله إننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى أمثاله فها هو التاريخ يعيد نفسه وما أشبه اليوم بالأمس، وها هو المسجد الأقصى تدنسه أقدام اليهود الصهاينة، وها هم سكان القدس يستضعفون في الأرض ويُعتدى عليهم ويخرجون من ديارهم، في حين تتسابق الدول العربية لكسب رضا الاحتلال وعقد المعاهدات والاتفاقيات معه، فهل نستحق بأن نكون أحفاد صلاح الدين؟ وهل انتهت البطولات بعد وفاته؟ لا، فالله يأبى إلّا أن يتمّ نوره ولو كره من كره وسيعود القدس يوماً إلى أيدي المسلمين كما وعدنا ربّنا سبحانه، ولكنّ النصر لا يتحقق إلّا بالتوكل على الله والأخذ بأسبابه، وتبقى سيرة صلاح الدين الأيوبي عبرةً تدلّ على عظمة القائد المسلم ومنارةً تضيء لنا دروب الحق ونهتدي بها في ظلمات الضعف والذلّ الذي نعيشه في واقعنا فنسأل الله أن يهدي قلوبنا ويقوي عزائمنا وأن يجعل لنا من صفات هؤلاء القادة نصيباً في الدنيا وأن يجمعنا بهم في جنان الآخرة.
اقتباسات وأقوال صلاح الدين
وبعد أن تعرّفنا على سيرة القائد العربي والفارس الفتيّ صلاح الدين الأيوبي سنمرّ على بعض الاقتباسات والأقوال التي قالها هذا الفارس العظيم وخلّدها التاريخ كما خلّد قصته وجعله رمزاً للبطولة عند العرب ورمزاً للإنسانية عند الغرب، ومن هذه الأقوال:[8]
-
كيف أبتسم والأقصى أسير؟
-
الاطمئنان إلى أحد قبل الاختبار حمق
-
لا يوجد ما يستحق الندم غير ما يضيع من العمر فى هذا الندم
-
والله إني لأستحي من الله أن أبتسم وإخواني هناك يعذبون ويقتلون
-
قد يتحول كل شي ضدك ويبقى الله معك، فكن مع الله يكن كل شي معك
-
لا تظنوا أني فتحت البلاد بالسيوف، إنما فتحتها بقلم القاضي الفاضل
-
يعتقد بعض السلاطين أن البطش يحفظ الملك وأن العامة على دين ملوكهم فتزين لهم بطانتهم أعمالهم حتى ينقطع ما بين العامة وبين السلاطين، فيحسبون أن السكون خضوعاً حتى تأتى الأيام بما غفلوا عنه حين لا ينفع الندم.
-
إلهي! قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد اليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل.
أقوال العلماء في صلاح الدين
ولا شكّ أنّ سيرة هذا البطل تؤثّر في الكبير قبل الصغير وفي العالم قبل عامّة الناس وكان من هذا التأثير ما وصل إلى أئمة الإسلام فقالوا عنه الكثير، ومما قاله الأئمة في صلاح الدين:[9]
-
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:” وليعتبر المعتبر بسيرة نور الدين وصلاح الدين ثم العادل كيف مكنهم الله وأيدهم وفتح لهم البلاد وأذل لهم الأعداء لما قاموا من ذلكم بما قاموا به وليعتبر بسيرة من والى النصارى كيف أذله الله تعالى وكبته”
-
ويقول ابن القيّم:”وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين فتستروا بالرفض والانتساب كذباً إلى أهل البيت ودانوا بدين أهل الإلحاد وروجوه ولم يزل أمرهم ظاهراً إلى أن أنقذ الله الأمة منهم ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب فاستنقذ الملة الإسلامية منهم وأبادهم وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم”.
-
ويقول الشيخ ابن باز لمّا سؤل عنه: ” هو مجدد الأمة في الجهاد”.
شعر عن صلاح الدين الأيوبي
احتفى المسلمون بعود القدس وفرحوا فرحاً شديداً وحضر الناس لملاقاة صلاح الدين والسلام عليه وأنشد الشاعر الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي قصيدةً طويلةً من مئة بيتٍ يمدح فيها صلاح الدين ويهنئه بالنصر جاء فيها:
هذا الذي كانت الآمال تَنْتَظِرُ فَلْيوفِ لله أقوامٌ بما نَذَروا
هذا الفتوحُ الذي جاء الزمانُ به إليك من هفوات الدهر يعتذرُ
تَجُلّ علياه عن دح يُحيط به وصفٌ وإن نظم المّدَاح أو نثروا
لقد فتحتَ عَصيّاً من ثُغورهمُ لولاك ما هُدَّ من أركانها حَجَرُ
لولاك ما هُدَّ من أركانها حَجَرُ لقد فتحتَ عَصيّاً من ثُغورهمُ
وصفٌ وإن نظم المّدَاح أو نثروا تَجُلّ علياه عن دح يُحيط به
إليك من هفوات الدهر يعتذرُ هذا الفتوحُ الذي جاء الزمانُ به
فَلْيوفِ لله أقوامٌ بما نَذَروا هذا الذي كانت الآمال تَنْتَظِرُ
بحث عن صلاح الدين الأيوبي جاهز للطباعة pdfإن سيرة صلاح الدين عبرةٌ كبيرة ومنارة مضيئة، ولا يزال التاريخ العربي يفخر بالبطولات التي حققها هذا القائد العظيم وتدرس قصته في المدارس والجامعات وحلقات العلم في المساجد، وقد يطلب من الدارسين القيام بكتابة بحثٍ عن سيرة صلاح الدين لذلك فقد آثرنا في هذا المقال أن نترك لكم هذا البحث بصيغة pdf لكي يتسنّى للطلاب الاستفادة منه والتعلم من محتواه والنهل من أفكاره كما يمكن طباعته ومشاركة أي جزءٍ منه، ويمكنكم الحصول على بحث عن صلاح الدين الأيوبي جاهز للطباعة pdf