خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير حول أهمية الاستثمار في حياتنا .. الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُه ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ أعلاهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ نفوسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ مُإشادةًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ أعلاه وسلم. أمَّا حتى الآنُ:
خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير حول أهمية الاستثمار في حياتنا
العنصر الاول من خطبة يوم الجمعة المقبلة : ضرورة الاستثمار في حياتنا
أولًا: ضرورةُ الاستثمارِ في الإسلامِ
للاستثمارِ أهميةُ كُبرى في الإسلامِ؛ لأنَّهُ أساسُ التنميةِ الاقتصاديةِ للبلادِ، ويُقصَدُ بالاستثمارِ: استعمالُ الثروةِ قصدَ نمائِهِ وزيادتِهِ وإحيائِهِ، فيمَا أحلَّهُ اللهُ بجميعِّ الوسائطِ المشروعةِ لصالحِ الفردِ والجماعةِ .
لذلكَ تحميسَّ الإسلامُ علَى حركةِ الثروةِ وتداوُلِهِ وتقلُّبِهِ ودورانِهِ واستثمارِهِ؛ لأنَّ الثروةَ لمْ يُخْلَقْ للحبسِ وعدمِ التبادلِ، وإلَّا لتعطلَّ سيرُ الحياةِ، وحدثتْ المجاعاتُ، وخربتْ البلادُ، وهلكَ العبادُ.
إنَّ الإسلامَ رغَّبَ في جميعِّ أداةٍ تؤدِّي إلى تشغيلِ المالِ واستثمارِهِ وتداوُلِهِ، فحثَّ على التجارةِ بشتَّي ألوانِهَا، وجعلَ طرقًا غفيرةً لمنْ يَمْلِكُ الملكيةَ ولا يقدرُ على الجهد
فأجازَ المزارعةَ؛ لأنَّ أصحابَ الأرضِ لا يقدرونَ على زرعِهَا وهمْ في حاجةٍ إلى الزرعِ، وغيرُهُمْ في نفسِ الاحتياجِ ولا أرضَ لَهُمْ، فاقتضتْ حِكْمَةُ الشارعِ جوازَ المزارعةِ، وايضاَ المضاربةِ وجميعِ طرقِ الدخلِ والشركاتِ الجائزةِ شرعًا بشروطِهَا وضوابِطِهَا؛ لأنَّ الدراهمَ والدنانيرَ، لا تُنمَّي سوى بالتقليبِ والتجارةِ، وليس كلُّ منْ يمْلِكُهَا يُحسنُ التجارةَ؛ ولأنَّ كلَّ مَن يُحسنُ التجارةَ ليسَ لهُ رأسُ مالٍ، فاحتيجَ إليهَا مِن الجانبينِ فشرعهَا اللهُ تعالي لدفعِ الحاجتَينِ.
والمقصدُ الأسمَى والهدفُ العامُ للشرعِ الحكيمِ منْ وراءِ كلِّ ذاكَ، هوَ تحريكُ عجلةِ المالِ ودورانِهِ واستدامِةِ تداوُلِهِ وتقَلُّبِهِ بينَ النَّاسِ، حتَّى لا يكونَ منحصِرًا بينَ صنفٍ وأقليةٍ ضئيلةٍ، تتكاثرُ غنيً بنمائِهِ، وفي نفسِ الوقتِ تبقىُ نوعٌ وطائفةٌ أخرى لا تملكُ مِنَ الملكيةِ ما يكفيهَا لإشباعِ الضرورياتِ والمقتضياتِ في الحياةِ، فكانتْ نظرةُ الشارعِ حكيمةً، حينَ بيَّنَ هذهِ الحجةَ في قولِهِ تَعَالَي: كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ.(الحشر: 7).
ولأهميةِ الاقتصادِ في الإسلامِ أمرنَا الشارعُ الحكيمُ بالإتجارِ في مبالغ ماليةِ اليتامى حتَّى لا تَأْكُلُهَا الزكاةُ، كمَا حرَّمَ الإسلامُ الاكتنازَ؛ لأنَّهُ يعملُ على إنهاءِ حركةِ الثروةِ .
ولقدْ إعتداءَ لنَا الرسولُ صلَّى اللهُ فوق منهِ وسلمَ أروعَ الأمثلةِ في توجيهِهِ للصحابةِ إلى عمليةِ الاقتصادِ، ومِمَّا يُروى في ذاكَ أنَّ رجلًا مِن الأنصارِ أتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم يسألُهُ، فقالَ: «أمَا في منزلِكَ شيءٌ؟» أفاد: بلى، حِلسٌ نلبسُ عدد محدود منَهُ، ونبسُطُ قليل منَهُ، وقَعبٌ نَشربُ فيه الماءَ، قالَ: «ائتِنِي بهمَا»، قالَ: فأتَاهُ بهما، فأخذَهُمَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ أعلاه وسلم بيدِهِ، وصرحَ: «مَن يشترِي هذين؟» أفادَ رجلٌ: أنَا آخذهُمَا بدرهمٍ، قالَ: «مَن يزيدُ على درهمٍ؟» -مرتينِ أو ثلاثًا-، قالَ رجلٌ: أنا آخذهُمَا بدرهمين، فأعطاهُمًا إياهُ، وتنفيذَ الدرهمين، وأعطاهُمَا الأنصاريَّ وتحدثَ: «اشترِ بأحدهِمَا تغذيةًا فأنبذهُ إلى أهلِكَ، واشترِ بالآخرِ قَدومًا فأتنِي بهِ»، فأتاهُ بهِ، فشدَّ فيه صلَّى اللهُ فوق منه وسلم عودًا بيدهِ، ثم أفادَ: «اذهبْ فاحتطِبْ وبعْ، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا»، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترى ببعضِهَا ثوبًا وببعضِهَا تغذيةًا، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: «ذاك خيرٌ لك مِن أنْ تأتيَ الأمرُ نكتةً في وجهكَ يومَ القيامةِ.» ( أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه).
ومنْ هُنَا تَظهَرُ أهميةُ الاستثمارِ ومكانتُهُ في الإسلامِ .
العنصر الثاني من بيان الجمعة القادمة : لزوم الاستثمار في حياتنا
ثانيًا: ضَوَابِطُ الاستثمَارِ في الإسلامِ
للاستثمارِ في الإسلامِ ضوابطٌ وفيرةٌ منها:
تعلمُ فقهِ مكان البيع والشراءِ والبيعِ والشراءِ: فيجبُ على المستثمرِ تعلمُ أحكامَ البيعِ والشراءِ، حتى لا يحدثَ في الحرامِ أو الربَا وهو لا يدرِي. “ أفاد عمرُ بنُ الخطبةِ رضيَ اللهُ عنه : لا يَبِعْ فِيْ سُوْقِنَا إِلاْ مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِيْ الدِّيْنِ” (الترمذي وحسنه )؛ ولذلك كان عمرُ بنُ الكلامِ رضي الله سبحانه وتعالىُ عنه يدخلُ السوق
فإذا وجدَ تاجرًا لا يفقهُ كيفَ يبيعُ ويشتري علاهُ بالدرةِ، وصرحَ لهُ: تعلمْ. مَن لم يتعلمْ ذلك الفقهَ حدثَ في الربَا شاءَ أمْ والدَى. وقالَ عليُّ بنُ والدي طالبٍ: مَنِ اتَّجَرَ قبلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِيْ الرِّبَا، ثُمَّ ارْتَطَمَ، ثُمَّ ارْتَطَمَ . أي: حدث في الربا. (مغني المحتاج).
ومنها: تحرِّي الكسبِ الشرعيِ: وهذه مِن أهمِّ صفاتِ المستثمرِ، أنْ يهتمَّ بتحرِّي المباحِ والبقاء بعيداِ عن الحرامِ، فقد سقي مسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنه- أفاد: أفاد رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ أعلاه وسلم-: “إنَّ اللهَ هلم طيبٌ لا يقبلُ إلّا طيبًا، وإنَّ اللهَ وجّهَ المؤمنينَ بما كلفَ بهِ المرسلين، فقالَ تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، وصرح إيتي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ. ثم ذكرَ الرجلَ يطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يديهِ إلى السماءِ: يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمُه محرّمٌ ومشربُه محرّمٌ وملبسُه حرامٌ، وغذِّي بالحرامِ، فأنَّى يستجابُ لهُ؟!”.
ولتكنْ لكُم العبرةُ في سلفِنَا الصالحِ في تحرِّي الشرعي، فكانُوا يتورعُون عن بعضِ الشرعيِ؛ خشيةَ أنْ يكونَ محرّمًا!! ” فهذا عمرُ رضي اللهُ عنه يقولُ: كنَّا ندعُ تسعةَ أعشارِ الشرعيِ مخافةَ أنْ نقعَ في الحرامِ.. وصرح أبو الدرداءِ:
إنَّ مِن تمامِ التقوى أنْ يتقِي العبدُ في مثقالِ ذرةٍ حتى يعيَ عدد محدود منَ ما يشاهد أنَّه حلالٌ خشيةَ أنْ يكونَ حرامًا حتى يكونَ غطاء رأسًا بينَهُ وبينَ النارِ، ولذا كان لبعضِهِم مائةُ درهمٍ على إنسانٍ، فحملَهَا إليهِ، فأخذَ تسعةً وتسعينَ وتورَّعَ عن استيفاءِ الكلِّ خيفةَ الزيادةِ. وكان ما يستوفيهِ يأخذهُ بنقصانِ حبةٍ، وما يعطِيه يوفيهِ بترقيةِ حبةٍ؛ ليصيرَ هذاَ حاجزًا مِن النارِ.”(إحياء معارف الدين).
وتعرف علىْ – يا عبدَاللهِ- أنَّ كلَّ ما تدخلُهُ بطنكَ مِن الحرامِ هو أولُ ما ينتنُ، قالَ صلَّى اللهُ فوقه وسلم: ” إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ .” (البخاري).
ومنها: التحلِّي بأخلاقِ الاستثمارِ والبيعِ والشراءِ: كالصدقِ والأمانةِ والسماحةِ والإخلاصِ بالعهودِ وكتابةِ الدينِ والإشهادِ وغيرِهَا، وهذه الصفاتُ تورثُ الثقةَ بينَ المتعاملِين
كمَا أنَّها طريقٌ إلى بركةِ البيعِ والشراءِ، فَعَن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا”(متفق فوقه)، ويقولُ صلَّى اللهُ فوق منه وسلم : “رحِمَ اللهُ رجلاً سمحًا إذا باعَ وإذا اشتَرى وإذا اقتَضَى”.( البخاريّ ).
ومنها: عدمُ طعامِ مبلغ ماليِ الناسِ بالباطلِ: قالَ إيتي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ . (الإناث: 29). ” أي: لا يأكلُ بعضُكُم نقودَ عدد محدود منٍ بالباطلِ. أي ما لم تُبحْهُ الشريعةُ كالربَا والقمارِ والإرتشاءِ، والغصبِ والسرقةِ والخيانة
وما جرَى مجرَى ذلك مِن صنوفِ الحيلِ، إلَّا أنْ تكونَ تجارةً، أي معاوضةً محضةً، كالبيعِ عن تراضٍ منكُم في المحاباةِ مِن منحىِ الآخذِ والمأخوذِ منهُ”.(توضيح القاسمي). وصرح سبحانَهُ وتعالَى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة: 188)؛ ” قال ابنُ عباسٍ: ذاك في الرّجلٍ يكونُ عليه ثروةٌ وليس أعلاه فيهِ بيّنة، فيجحدُ الملكيةَ ويخاصمهُم إلى الحكّامِ، وهو يعلمُ أنَّ الحقَّ أعلاهِ، وقد علمَ أنَّه آثمٌ، آكل ُمحرّمٍ.” (الدر المرشوش). وما أكثرَ المشروعات الاستثماريةُ الوهميةُ في ذاك الزمانِ فاحذرُوهَا .
العنصر الثالث من كلام الجمعة المقبلة : لزوم الاقتصاد في حياتنا
ثالثًا: ساحاتُ الاقتصادِ وصورُهُ
إنَّ الاقتصادَ لا يقتصرُ على الثروةِ وحدَهُ، ولكنْ له مجالاتٌ وصورٌ وفيرةٌ ووفيرةٌ منها:
استثمارُ الثروةِ: وهو ليس غرضً في نفسهِ، وإنَّما هو وسيلةٌ لتلبية وإنجازِ زيادةِ الإصدارِ، ومعاونةٌ على تحقيقِ العبوديةِ، مثلما قالَ تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . [الذاريات: 56]. وايضاً عمارةُ الأرضِ وتحقيقُ الخلافةِ فيها، مثلما في قولِهِ تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا . [هود: 61].
ومنها: استثمارُ السنِ والوقتِ: ولذا بأنْ يعملَ الإنسانُ جاهدًا على استثمارِ وجوده في الدنياِ في حين ينجحُهُ في دنياهُ وأُخراهُ، لذا يقولُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رحمَهُ اللهُ:” إنّ الليلَ والنهارَ يعملانِ فيكَ فاعملْ فيهمَا ”. وتحدث قليل منُهُم: “مَن أمضَى يومًا مِن عُمرهِ في غيرِ حقٍ قضَاهُ، أو إنفاذٍ أدَّاهُ، أو مجدٍ منشأَه
أو إمتنانٍ حصّلَهُ، أو خيرٍ أسّسَهُ، أو علمٍ اقتبسَهُ، ولقد عقَّ يومَهُ وظلمَ نفسَهُ”. فَأَسْرِعْ أخي المسلم إلى استثمارِ وقتِكَ قبلَ أنْ يضيعَ هدرًا، وقبلَ أنْ تندمَ ولا ينجحُكَ الندم، يقولُ عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله سبحانه وتعالىُ عنه: “ما نَدمتُ على شيءٍ نَدمِي على يومٍ غَربتْ شمسُهُ، قلة تواجدَ فيه أرجأِي، ولم يزددْ فيه عملِي. وقال أيضًا: إنّي لأمقتُ الرجلَ أنْ أراهُ فارغًا ليس في شيءٍ من عملِ الدنيا ولا عملِ يوم القيامةِ “.
فعلينا أنْ نغتنمَ أوقاتِنَا قبلَ فواتِ الأوانِ. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِك
وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”. «الحاكم وصححه» .وسُئِلَ الرسولُ صلَّى اللهُ أعلاه وسلمَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ».( الترمذي وصرح: ذاك حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ) .
ومِن صورِ الاقتصادِ: استثمارُ الأبناءِ والذريةِ: فالأولادُ ملكيةٌ هائلةٌ يقتضيُ علينَا أنْ نستثمرَهَا في الخيرِ، يقولُ الإمامُ الغزاليُّ رحمه اللهُ: ” اعلمْ أنّ الغلامَّ أمانةٌ عندَ والديهِ وقلبَهُ الطاهرَ جوهرةٌ قيّمةٌ ساذجةٌ شاغرةٌ عن كلِّ نقشٍ وصورةٍ، وهو إلتقىٌ لكلِّ ما نقشِ، ومائلٌ إلى كلِّ ما يُثروةُ بهِ إليهِ، فإنْ عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأَ فوق منه وسعدَ في الكوكب ويوم القيامةِ، وأشتركَهُ في ثوابِهِ أبوه وكلُّ معلمٍ له ومؤدبٍ، وإنْ عُوِّدَ الشرَّ وأُهملَ إهمالَ البهائمِ شقي وهلك
وكان الوزرُ في رقبةِ القيِّمِ أعلاه والوالِي له. وقد أفاد اللهُ عزّ وجلّ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسَكُم وأهلِيكُم نارا ومهما كان الأبُ يكفلُهُ عن نارِ الدنيا، فأنْ يضمنَهُ عن نارِ يوم القيامةِ أولَى، وصيانتُهُ بأنْ يؤدبَهُ ويهذبَهُ ويدريَهُ محاسنَ الأخلاقِ، ويحفظَهُ من القرناءِ السوءِ”. ( إحياء علوم الدين).
فاستثمارُ الأبناءِ يجديُ نفوسَهُم ومجتمعَهُم، فينبغِي على كلِّ واحدٍ أنْ يستثمرَ أولادَهُ قبلَ أنْ يستثمرَ لهُم، فلربَّمَا استثمرَ لهم مبالغ ماليةًا طائلةً، ولم يستثمرْهُم في أنفسِهِم فيجعلُوا ما استثمرَهُ لهم والدُهُم هباءً مرشوشًا، وتحضرُنِي هذه القصةُ في هذا المضمونِ: ” ولقد دخلَ مقاتلُ بنُ سليمان على المنصورِ يومَ بويعَ بالخلافةِ، فقالَ له المنصورُ: عظنِي يا مقاتل، صرح: أعظُكَ بما أبصرتُ أم بمَا سمعتُ؟!صرح: بما رأيتَ. قال: يا أميرَ المؤمنين
عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ أنجبَ أحدَ عشرَ غلامًا و تركَ ثمانيةً عشرَ دينارًا، كُفِّنَ بخمسةِ دنانيرٍ، واشتُرِي له ضريحٌ بأربعةِ دنانيرٍ، وَوُزِّعَ الباقي على أبناءِهِ، وهشامُ بنُ عبدِ الملكِ أنجبَ أحدَ عشرَ غلامًا، وكان نصيب ُكلِّ ولد صغيرٍ مِن التركةِ 1000َ ألف (1,000,000) دينار، واللهِ يا أميرَ المؤمنين لقد أبصرتُ يوما ماٍ شخصٍ طفلًا مِن أولادِ عمرَ يتصدقُ بمائةِ حصانٍ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، وأحدَ أولادِ هشامِ يتسولُ في المتاجرِ!! ( من خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله ).